تدخل إيران مرحلة أكثر حدّة من الضغوط الاقتصادية والسياسية بعد سلسلة تطورات مفصلية شهدها العام الجاري. فقد اندلعت حرب استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، انتهت بتدخل مباشر من الولايات المتحدة التي شنّت ضربات مركّزة على ثلاث منشآت نووية إيرانية تعدّ من أهم البنى التحتية في البرنامج النووي. وقد أسهمت هذه المواجهة في رفع مستوى التوتر الإقليمي والدولي.
بينما تزامنت مع فشل الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في يونيو الماضي، من دون تحقيق أي اختراق أو إشارة إلى إمكانية استئناف مسار تفاوضي. ومع استمرار العقوبات وتصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية، باتت البلاد تواجه مزيجاً من الانسداد السياسي على الصعيد الخارجي والتدهور الاقتصادي المتسارع في الداخل.
في هذا المناخ المتوتر، أعلن مركز الإحصاء الإيراني، استناداً إلى بياناته الرسمية، أن معدل التضخم في نوفمبر 2025 اقترب من 50% على أساس سنوي، فيما بلغ التضخم السنوي 40.4%.
وتشير الإحصاءات المنشورة يوم الخميس 27 نوفمبر إلى أن معدل التضخم النقطة إلى النقطة للأسر خلال نوفمبر بلغ 49.4%، ما يعني أن الأسر أنفقت في المتوسط قرابة 50% أكثر من نوفمبر 2024 لشراء “مجموعة متساوية من السلع والخدمات”.
أما على المستوى الشهري، فقد سجّلت الأسر تضخماً بلغ 3.4% في نوفمبر 2025، مع ارتفاع مجموعة “الأغذية، المشروبات والتبغ” بنسبة 4.7%، وارتفاع مجموعة “السلع غير الغذائية والخدمات” بنسبة 2.6%. ويُعرّف التضخم الشهري بأنه نسبة التغير في الرقم القياسي للأسعار مقارنة بالشهر السابق.
وبحسب التعريف الرسمي، فإن معدل التضخم السنوي، وهو نسبة التغير في متوسط الأرقام القياسية للأسعار خلال سنة منتهية بالشهر الحالي مقارنة بالفترة المماثلة السابقة، بلغ 40.4% في نوفمبر 2025، بزيادة قدرها 1.5 نقطة مئوية عن الشهر السابق.
وتظهر هذه البيانات أن مسار ارتفاع الأسعار ما زال مستمراً، وأن الضغط على سلة إنفاق الأسر، لا سيما في قطاع المواد الغذائية، ما زال كبيراً للغاية.
ويرى الخبراء أن أشد الضغوط التضخمية ما زالت تتركز في قطاع الأغذية والخدمات الحضرية، وأن الأرقام الرسمية لا تعكس بالكامل مستوى التضخم الملموس في السوق، حيث يواجه المواطنون ارتفاعات أكبر بكثير مما تكشفه المؤشرات المنشورة.
وتأتي هذه البيانات بعد يومين فقط من قرار مجلس وزراء إيران، الصادر يوم الثلاثاء 25 نوفمبر، والذي ينص على أن السائقين الذين يستهلكون أكثر من 160 لتراً من البنزين شهرياً سيدفعون خمسة آلاف تومان عن كل لتر إضافي، وهو قرار يُتوقع أن يزيد من التكاليف المعيشية ويغذي موجة الغلاء الحالية.
وفي سياق متصل، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراتي في أكتوبر من العام الجاري أن خط الفقر الشهري للفرد الواحد في عام 2024 تجاوز 6 ملايين تومان، مسجلاً ارتفاعاً بنحو 2.5 مليون تومان مقارنة بالعام السابق.
وتكشف هذه الأرقام، مجتمعة، أن القدرة المعيشية للأسر تتآكل بسرعة، في وقت يستمر فيه الانسداد السياسي بين طهران وواشنطن، ويتواصل الضغط العسكري والعقوبات، دون أي بوادر عملية لخفض التصعيد أو إحياء مسار تفاوضي بغية إلغاء العقوبات ليحدّ من الانكماش الاقتصادي المتسارع. ‎