المطرب العراقي كاظم الساهر (مواقع التواصل)
في سنة 1988؛ غنى كاظم الساهر ولأول مرة "أنا وليلى"، واحدة من أعظم ما أثمرت الموسيقى العربية لحنا، وإيقاعا، ونبرة، ورقي كلمات.. وقد لا أراني مبالغا، ولا أجدني متحيزا إن قلت إنها أفضل ما نسج الفن العربي.
قارئ القصيدة، صوتا ووجدانا، على دراية بمدى صعوبة تلحينها، وجعل الإيقاع متناسقا مع الكلمات، ومتناغما مع معناها، المعنى الذي يحمل شعورا مثقلا بالحزن أطنانا، وبالآلام جبالا.
لا يشترط أن يذوق المرء لحظة الاحتضار كي يدرك ضآلة الحياة؛ فسنوات رصيده الإلهي ومساره الدنيوي ما هما إلا شبه مدة إعلان عابر على أثير إذاعي
استطاع القيصر من خلال أدائه الخرافي أن يجعلنا نشارك صاحب القصيدة، حسن المرواني، في مشاعره التي خلفها استبداد ليلى، الاستبداد الأفظع طغيانا من طغيان حاكم متسلط، وأمير ميكيافيلي، والأشد قهرا من قهر الساسة على مر العصور والأزمنة!
المرواني كان له قلب قوي، وأي قلب ضعيف له القدرة على تمخض ورضاعة وحضانة ذلك الحب القوي؟! لكن لمعارك الحب القوي خصائص وقواعد تعاكس منحى المنطق والطبيعة، حيث النصر للقوي.
في معارك الحب؛ الكلمة الأخيرة للامنطق واللامعقول، فالنصر للضعيف، أما الأقوى حبا فهو الخاسر والفاقد لكل شيء، بل الميت الذي ترافق روحه روح مشاعر المنتصر.. مشاعره الميتة.
أي ركام أحدثته معركة ليلى المستبدة في قلب المرواني حين كتب: "نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي"؟ وكم كان شديدا ألم طعنة خنجر الفراق في قلب المرواني حين كتب: "لو تعصرين سنين العمر أكملها لسال منها نزيف من جراحاتي"! وأي وحدة ملكت فؤاد المرواني، وأي ندم فراق اعتصر قلبه حين خطت أنامله: "أضعت في عرض الصحراء قافلتي وجئت أبحث في عينيك عن ذاتي"؟
لا يشترط أن يذوق المرء لحظة الاحتضار كي يدرك ضآلة الحياة؛ فسنوات رصيده الإلهي ومساره الدنيوي ما هما إلا شبه مدة إعلان عابر على أثير إذاعي.
قرأ المرواني قصيدته في أحد مسارح الجامعة آنذاك، لكنها ما لبثت أن تلاشت كحب عابر، وككنيسة مهجورة في لغة محمود درويش
الحياة وجيزة، بل وجيزة إلى حد الفناء، وقصة المرواني تجسد هذا المعنى؛ ففي أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات، أحب وهو طالب جامعي في بغداد زميلة له في الفصل، فكتب عنها قصائد عدة، غير أن الخلود كان من نصيب قصيدته الشهيرة "أنا وليلى"، التي كان عنوانها الأصلي "أنا وليلى.. اشطبوا أسماءكم". ليلى خطبها شاب آخر، شاب أغناه المال عما افتقده الشاعر.. وهنا يصرخ صوت المرواني في كلماته: "لو كنت ذا ترف ما كنت رافضة حبي… ولكن عسر الحال، فقر الحال، ضعف الحال.. مأساتي".
قرأ المرواني قصيدته في أحد مسارح الجامعة آنذاك، لكنها ما لبثت أن تلاشت كحب عابر، وككنيسة مهجورة في لغة محمود درويش.
وفي سنة 1985، وقعت عينا كاظم الساهر على أربعة أسطر منها، فما كان عليه إلا أن يشرع في البحث عن صاحبها ليستكمل بقية أبيات القصيدة، وقد تحقق ذلك بعد ست سنوات. ومع وصول صدى الأغنية إلى جميع أركان وزوايا العالم، حدث لقاء بين المرواني وليلى: ليلى الأرملة.





استبداد "ليلى".. وكلمات تجسد ألم الحب

رد مع اقتباس