كيف يُشرق الإنسان من داخله؟
في لحظة مشهودة من مشاهد يوم القيامة، يصوّر القرآن الكريم مشهداً مهيباً: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ .
إنّه مشهد كوني يفوق الإدراك، لكنّه يحمل - لمن أراد أن يتأمل - درساً بالغ العمق في فن بناء الذات وصناعة الوعي. فالنور الذي تُشرق به الأرض في ذلك اليوم، يشبه النور الذي تحتاجه النفس لتبدأ رحلتها الحقيقية نحو التغيير.
لن نغوص في أروقة التفسير، فلسنا من ذوي الاختصاص، وإنّما استلهامٌ تنمويّ من رمزية الآية البصرية العميقة، وكيف يمكن أن يعيننا ذلك في اكتشاف ذواتنا.
فالنور الداخلي هو بداية كل تحوّل، والتغيير لا يبدأ من الخارج أبداً. يقول سبحانه وتعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]، فالإنسان قد يُجري تعديلات شكلية في حياته، يغير جدولاً، أو يحذف عادة، أو يبدأ أخرى، لكنّه لا يشعر بالتحوًل الحقيقي، ذلك أنّ النور لم يدخل إلى الداخل بعد.
النور هنا هو لحظة الوعي التي ترى فيها نفسك بوضوح، دون تبرير أو هروب. هو الصراحة التي تكشف لك ما تجاهلته لسنوات. حين يحدث هذا، يبدأ التحوّل العميق، تماماً كما تُشرق الأرض حين يتبدد عنها الظلام.
فما الذي يحجب النور؟
كما تُحجب الشمس بالسحاب، تُحجب النفس بأثقالها.
أكثر ما يحجب نور الوعي عن الإنسان هو:
- الخوف من الاعتراف بالخطأ
- الاعتماد على نظرة الناس
- التعلّق بالماضي حتى الاختناق
- التشتت الفكري والعاطفي
- الصوت الداخلي الذي يقلل من الذات
حين تتراكم كل تلك الحجب، تصبح الحياة أشبه بغرفة مُطفأة؛ كل شيء فيها موجود، لكنّه غير مرئي.
النور يكشف… والكشف يحرّر: حين يدخل النور إلى الغرفة ينكشف كل شيء؛ كذلك حينما يدخل النور إلى داخلنا، فكل شيء ينكشف؛ دوافعنا الحقيقية، علاقاتنا المتعبة، نوايا القرارات التي نتخذها، وحتى تلك الشقوق الصغيرة في الروح التي لطالما تجاهلناها.
الغريب أنّ الكشف قد يكون مؤلماً في البداية؛ لكنّه الحرية بعينها. فالإنسان لا يُصلح ما لا يراه، ولا يعالج ما لا يعترف بوجوده. فالتغيير يبدأ من قرار واحد. فرحلة النور ليست رحلة مثالية أو حالمة، بل هي عملية جداً. إنّها تبدأ بقرار صغير: أن تختار نقطة واحدة في حياتك تحتاج إلى ضوء.
ابدأ من نقطة واحدة؛ فالنور لا يأتي دفعة واحدة، بل يبدأ بخيط رقيق، ثم يكبر، كالشمس تمامًا حينما تُشرق.
حين يشرق الوعي… تهدأ الفوضى، فتلك الفوضى الداخلية لا تُرتّبها القوة، وإنّما الوضوح. وحين يصبح الإنسان أكثر وعياً، فإنّه:
- يعرف ماذا يريد
- ويعرف ما لا يريد
- ويعرف متى يتقدم ومتى يتوقف
- وتصبح خطواته أقل ارتجالاً وأكثر ثباتاً
تمرين يومي: دقيقة النورقبل النوم أو عند الاستيقاظ…
1. أغمض عينيك لثوانٍ
2. اسأل نفسك: ما الأمر الذي يحتاج أن أُضيئه اليوم؟
3. اختر شيئاً واحداً فقط.
4. واجهه خلال يومك بصدق.
النور الذي تُشرق به الأرض يوم القيامة هو نور عدل وحقيقة وكشف، وفي حياة الإنسان اليوم، تحتاج روحه إلى نصيب من هذا النور؛ نور يرفع الغشاوة، ويدلّ الطريق.
حين يشرق الداخل، يصبح الخارج أكثر اتزاناً وجمالاً.
دمتم بخير ومشرقي الأنفس.





رد مع اقتباس