بِنَفْسِيْ سَنَا بَرْقٍ تَبَسَّمَ عن دُرِّفَ
هَيَّجَ نِيرَانَ الصَّبابَةِ في صَدْري

ظَلَلْتُ لَهُ أَرْنُو بِأَلحَاظِ وَامِقٍ
وَأطمَعُ لَو يُمْسِي على كَبِدِي يَسْرِي

إذا ما الصَّبَا مِن نَحوهِ هَبَّ نَفْحُهَا
بِرَيَّاهُ، أَزْرَى عَرْفُهُ بِشَذَا العِطْرِ

فَسَحَّ بِوَبْلٍ لَيسَ يُقْلِعُ غَيمُهُ
يُحَاكي بُكَا الخَنْسَاءِ وَجْدًا عَلَى صَخْرِ

تَضِيقُ بهِ الأرجَاءُ مِنْ فَرْطِ فَيْضِهِ
كما ضاقَ صَدْرُ الصَّبِّ عن لَوعَةِ الهَجْرِ

فأمْسَتْ حُزُونُ الأرضِ ترْفدُ سَهْلَها
وبَاتَ لِسَانُ الحَالِ يَلهَجُ بالشُّكْرِ

أَرَى المَاءَ يَغشَى عَذْبُهُ كُلَّ مَوْطِنٍ
فَمَا لِلحَشَا يَبدُو أحَرَّ من الجَمْرِ؟!

أليسَ من الحِرمانِ أنْ يَقعُدَ الفَتَى
على ظَمَإٍ والماءُ من حولِهِ يَجرِي؟

إلى اللَّهِ ما بالقلبِ من لوعةِ الجَوى
وَما انْآدَ مِنْهُ وَانْحَنَى كاهِلُ الصَّبْرِ

نَهَارِيَ يَهْفُو لِلدُّجَى وسُكُونِهِ
ولَيْلِيَ مِن وَجْدٍ يَحِنُّ إلى الفَجْرِ

نَفَتْ دَعَةَ الأيَّامِ عَنِّيَ هِمَّةٌ
رَمَتْ بِيْ مِنَ الأشْجَانِ في مَهْمَهٍ قَفْرِ

فَآليتُ لا أنْفَكُّ ألتَمِسُ العُلا
وَلَو كَلَّفَتْنِي مَهْرَ ما لِيْ مِنَ العُمْرِ

فما زِلْتُ عن سَاقِ الطِّلَابِ مُشَمِّرًا
إلَيْها على دَربٍ كَحَدِّ الظُّبَى وَعْرِ

أُهَرْوِلُ أحيانًا وأَعثُرُ تَارَةً
إلى أنْ بلغتُ الشَّأْوَ بَعْدَ احْتِسَا المُرِّ

فَلَمَّا طَرقْتُ البابَ، بابَ العُلَا إذا
بِحَاجِبِهِ يَبْدُو كَمَنْ قامَ عَنْ سُكْرِ

فَلمَّا رَآنِي صَاحَ: وَيْحَكَ يا فَتَى!
أَتَبْحَثُ في شَوَّالِ عنْ ليلةِ القَدرِ؟

لَقَد فاتَ ما أنْضَاكَ مِنْ أجلهِ السُّرَى
وَرَاحَ بِهِ ذُو السَّبْقِ إنْ لَمْ تَكُنْ تَدْري

فلو كُنتَ ذا جِدٍّ سَرَيتَ بِسُحْرَةٍ
فَشْهْدُ الأماني ليسَ يُشْتارُ باليُسْرِ

فقلتُ: أَمَا واللَّهِ قد سِرتُ جاهِدًا
عِشَاءً، ولكِنِّي غُلِبْتُ عَلَى أَمْرِي

وما بَزَّنِي غَيْرِي بِطَائِلِ فِطْنَةٍ
ولا خُبْرُهُ بالدَّرْبِ أعظَمُ من خُبْرِي

ولكنَّهُ وَافَى على فَرَسِ الغِنَى
وجِئتُ أنَا أَمْشِي عَلَى قَدَمِ الفَقْرِ

فقال: أَمَا واللَّهِ ما لَكَ حِيلَةٌ
لَدَيْنَا وَلا شَأْنٌ لَنَا مِنْكَ بالعُذْرِ

فقلتُ لَهُ لا ضَيرَ، ما زالتِ العَصَا
بِكَفِّيَ لَمَّا أُلْقِهَا بَعدُ مِن فَتْرِ

لَئِنْ تَكُ فَاتَتْ لَيلَةُ القَدرِ وانقَضَتْ
فَلِي أَمَلٌ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ الغُـــرِّ



عزت المخلافي