الإنسان المحترم

الإنسان المحترم والعملي والساعي لصنع الجميل وترك أثر طيب وملموس في محيطه ومجتمعه ووطنه، يحمل مفاهيم ووعيًا يحتضن به معظم أطياف المجتمع. ومشهود له بأنه يتقبل واقع حقائق اجتماعية وغير اجتماعية معينة؛ لكي يرمم ما يستطيع أن يرممه، ويتعامل مع ما يستطيع أن يعالجه، ويضمد جراح من نزفت مشاعره، ويفوّت الفرصة على من يريد أن يستفزه.
أ - الأب المحترم في بيته يتقبل:
1 - أن البيت يحتاج صيانة دورية وتلبية طلبات غذائية دائمة ومعالجات طارئة، فلا يصارخ لأي طلب طارئ.
2 - أن الأدوات والأجهزة الكهربائية بداخل البيت لها عمر افتراضي، فلا ينفعل لأتفه عطل أو تسريب أو علل بالأجهزة.
3 - أن الأولاد يعبثون بطبيعتهم لاكتشاف العالم من حولهم، فلا يصرخ عليهم، وإنما ينبههم ويلعب معهم إن أمكنه، ويحاورهم ويحببهم إليه.
4 - أن الزوجة قد تنسى أداء عمل ما يومًا ما، فلا يشاكسها ولا يصارعها، فقد ينسى هو نفسه إنجاز واجب شيئًا ما يومًا ما، فإن الإنسان معرّض للنسيان.

5 - أن الطفل قد يمرض دون أسباب واضحة، فلا ينزعج الأب المحترم، وعليه أن يبادر بأخذه للعيادة الطبية، فإن الطفل في طفولته يعيش مرحلة بناء مقاومة بيولوجية ذاتية.
6 - أن الأبناء ليسوا بنفس درجة الذكاء، ويتقبل الأب المحترم هذا التفاوت؛ فيصرف وقتًا أكثر لإفهام الابن الأقل ذكاءً.
7 - أن بعض الأقارب بحق عقارب، وعليه أن يحفظ مسافة كافية لكي لا يدخل في مهاترات ومناوشات لا طائل منها:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: الآية 56].
فالإنسان المحترم لا يغضب على كل شاردة وواردة، ولا يتلاسن ولا يتلاعن ولا يتخاصم، وإنما يتغافل ويتجنب مواطن التصادم بصدر رحب، ويحاول أن يعالج ما يمكن معالجته، فإنه القدوة لأبنائه وامتداده الأسري.
ب - العابد المصلي المحترم، الخاشع لله، والمتألم لأحوال الضعفاء، والمتطلع لنشر تعاليم الله، يعلم:

1 - أن هناك بعضًا ممن يرد إلى المساجد وهو شخص لديه وسوسة كثيرة، نفسية خبيثة، سلوك مرائي، متملق، نمام، نقال كلام، ملقوف بشدة، كيدي، وقح، أناني، إقصائي، انتهازي، نذل، جلف، سيئ الخلق. فنحن ما زلنا بالأرض، والناس كلهم ليسوا ملائكة ولا أوصياء. فما زالت هناك مساجد لضرار وإن تلونت الأسماء. والإنسان المحترم يحشم نفسه ويحشم الصادقين البررة، ويتجنب الفجرة وإن تدثروا بدثار التدين:
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى? وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: الآية 107].
2 - يعلم المصلي المحترم أن هناك بعضًا ممن يؤم صلاة الجماعة ولا يراعي كبير سن ولا مريض سكر ولا مريض روماتيزم ولا مريض بروستات، فيطيل بصلاته ويتحدث بإسهاب مطوّل في محاضراته، ويتفنن في التحدث عن ثواب بعض النوافل المستحبة، ولا يكترث بالحديث عن نوازل وزلازل اجتماعية حلت على المجتمع، أو البحث الموضوعي عن تزايد السقوط بالرذائل، أو أسباب نفور الناس من ارتياد دور العبادة.
ت - العم «ه» المخلص، الخال «ه» الوفي والمحترم يتقبل:
أن تهبط معدلات زيارات أبناء الأخ والأخت له مع تقادم العمر به، لاسيما مع بعض الأجيال الصاعدة، وافتقاد وهج كثرة الزوار عند عتبة بيته؛ فإن بعض معاصريه قد ارتحلوا للآخرة، والبعض الآخر ملازم لسرير الأبيض لمرضهم، والبعض مشغول في العناية بأسرهم. فإن العم أو الخال الواعي يتلمس الأعذار لمن لم يزره، لكي يعيش هو مرتاح البال.
ث - الجليس المحترم بالديوانيات والمجالس:
• يتقبل أن يرى ويسمع ويلاحظ شللية في الخطاب والتفاعل والحضور والمشاركة.
• يتقبل أن يرى من ينحاز لأناس دون أناس.
• يتقبل أن يُحتفى بذوي المال ووجهاء الإعلام الرقمي، وإن ندر مساهمتهم عن الذود عن المجتمع، ويُهمل ذوي العلم وأصحاب المبادرات وكثيري التضحية.
• يتقبل أن يرى من ينحاز لرأي شخص ما مجاملة له أو مداراة له أو تملقًا، دون أدنى وعي من أولئك بالتبعات لذلك الانحياز، ولا يستطيع أن يعلق أو يفصح أو يوضح لهم عن رأيه، أو لا يكترثون برأيه وإن كان رأيه هو السديد.

عزيزي الإنسان المحترم، أعلم بأنك تتألم وتبذل جهودًا جبارة لغرس بذور الخير، وإن لم يشعر بك أحد سوى الله. عزيزي الإنسان المحترم أينما كنت، لك مني التحية، وأشدّ على يديك وإن لم أعرفك. وكن كما أنت، شخصًا محترمًا بسلوكه وأفكاره ووعيه وقيمه، واستمر في التجاوز عن السفهاء والحمقى وأهل الرياء وأهل التملق والإمعة وأهل التفاهة. فرب ضارة نافعة، والأيام تكشف معادن الناس وإن طال الزمان؛ واترك، كما هي عادتك، بصمة واضحة وأثرًا جميلًا حيثما حللت وانصرفت، فإن الله تكفل بالنتائج، وعلينا العمل.
الإنسان المحترم يعي جيدًا أن الاختلاط بكل فئات المجتمع أمر أساس وضروري لقضاء أمور الحياة، وإن تمجيد الانعزال بشكل مفرط خطر كبير جدًّا، ويكمن الخطر في إيهامنا بأن الاستغناء عزة وكرامة. فالعزلة الطويلة زمانيًا وجغرافيًا ليست قوة، بل هي جفاف وحتما تصحر عاطفي. فنحن لا نزداد قوة وعنفوانًا بالقطيعة، بل نزداد قسوة وذبول مشاعر بالقطيعة.
البطولة ليست في اعتزال الناس، بل في القدرة على إدارة المسافات معهم بذكاء وفطنة؛ فلا التحام والتصاق يسحقك ويذيب شخصك ويتسفّه قيمك ويستخف بعقلك، ولا جفاء ينسيك ويجعلك مهجورًا أو قاطع رحم