في يومٍ ما ستجد نفسك قد كبرت، كبرت إلى حدٍّ لا تشعر فيه بشيءٍ سوى الخوف.

ستعلم حينها أن بعض من مرّوا في حياتك ما كان ينبغي لك أن تمنحهم مكانًا في دائرتك.

وستكتشف أن بعضهم قهروك وحكموا عليك رغم كذبهم وسوئهم، وادّعوا معرفة نواياك، وحكوا عنك قصصًا لم تكن البطل فيها، وقتلوك حيًّا وهم لا يزالون يعيشون حياتهم وكأنهم لم يفعلوا شيئًا، ولم يؤذوك يومًا، ولا حتى يتذكرون ذلك…

ستتذكر كم مرة برّرت لشيءٍ لا يستحق التبرير، رغم صدقك ورغم معرفتهم بذلك، إلا أنهم أرادوا فقط أن يكذّبوك.

ستندم على شجارٍ أو زعلٍ جعلك منعزلًا في بعض الأيام، ومكتئبًا في أيامٍ أخرى، منتقصًا من نفسك في كثيرٍ من الأحيان، وتنفلت منك أيامٌ وأعوام دون أن تفرح، ودون أن تستشعر الراحة.


في يومٍ ما ستلوم نفسك كثيرًا على مسامحة بعضهم، وعلى الغفران الذي قدّمته لهم على سجادةٍ منبسطة، أو على عدم الاكتراث بما فعلوه بك من سوء.

ويومًا ما ستتمنى لو أن الأيام تعود لتردّ على شخصٍ قال أو فعل شيئًا أتعب نفسيتك وأحزنها، ولم تردّ عليه حينها، والتزمت الصمت خوفًا من العواقب التي قد تصدر منهم لأن لهم باعًا، أو حفاظًا على الودّ لأنهم كانوا أحبابًا.

ستبقى في ذلك اليوم الذي كبرت فيه تعدّد الخيبات والخذلان من بعضهم، دون أن تعرف السبب، ولا حتى العذر في ذلك.

وحينها ستكون لقمةً هنيئة للاستسلام، للاشيء، للعدم في داخلك الفارغ؛ البارد جدًا، الحار جدًا.


وفي نهاية المطاف، وفي ذاك اليوم، ستنظر إلى والديك إن وُجدا، وتراهما قد كبرا كثيرًا جدًا.

سترى جلودهما منكمشة، وعروقهما بارزة كالأغصان، وعيونهما قد غارت نحو العمر الذي مضى، وربما حينها يعانيان من مرضٍ ما، ولا تستطيع حمله عنهما، ولا حتى إزاحته عمّا تبقّى لهما.

حينها سيكون قلبك ملاذًا لهما، مرتعًا للعجز، ومعتمًا دامسًا كليل، ضيّقًا كجحر، وسيلبسك الخوف تمامًا كلحاف، بل كغطاء.

وسيكون الانتظار حليفك، والمجهول طريقك الذي ليس لديك سواه، وستبقى حائرًا، حزينًا، وحيدًا، خائفًا، تترقّب.