يف فهم أصحاب الإمام الحسينمعنى الخوف؟
قبل الإجابة على السؤال لابد من تعريف للخوف حتى يتسنى لنا معرفة مفهوم الخوف لدى أصحاب الإمام الحسين عليه و.
معنى الخوف:يُعرّف الخوف على أنّه حالة إنسانية طبيعية تنشأ عندما يشعر الإنسان بوجود خطر حقيقي أو متخيّل، يدفعه إلى الحذر أو الهروب أو الدفاع عن نفسه.
لكنّ الخوف ليس مجرد انفعال عابر، بل إشارة داخلية تساعد الإنسان على إدراك التهديد واتخاذ قرار يحفظ بقاءه أو قيمه.
ويمكن تلخيص تعريفه بدقة في ثلاث مستويات:
1. تعريف لغوي:
هو توقع مكروه أو ضرر قبل وقوعه. أي أنّ الإنسان يستشعر خطرًا قد يحدث في المستقبل، فينقبض قلبه أو تتوتر نفسه.
2. تعريف نفسي:
هو استجابة انفعالية طبيعية تظهر نتيجة إدراك العقل لشيء ما يهدّد الأمان، سواء كان تهديدًا جسديًا أو عاطفيًا أو اجتماعيًا. مصدره «رسالة» تقول: انتبه… هناك شيء يحتاج إلى استعداد.
3. تعريف وجودي/روحي:
هو حركة في الداخل تكشف مقدار تعلّق الإنسان بما يعتبره مهمًا. فالخوف يكشف ما نحبه، وما نهتم بحمايته، وما نخشى فواته. ولهذا فإنّ ارتقاء الإنسان لا يكون بإلغاء الخوف، بل بتوجيهه.
بتعريف جامع:
الخوف هو استشعار داخلي لاقتراب ضرر أو فقدان، يستنفر طاقة الإنسان للدفاع أو الهروب أو التحصّن، ويمكن أن يكون دافعًا للحكمة أو سببًا للشلل، بحسب كيفية التعامل معه.
الآن وبعد أن عرفنا معنى الخوف في مستوياته الثلاثة، نعود للإجابة على السؤل:
كيف فهم أصحاب الإمام الحسينمعنى الخوف؟
عندما نقرأ سيرة أصحاب الإمام الحسين، يدهشنا ذلك الثبات الذي تجاوز حدود الشجاعة المألوفة. لم يكن أصحاب الإمام الحسين
أشخاصًا بلا خوف، ولم يكن جسدهم من حجر. كانوا بشرًا يعرفون الألم، ويدركون معنى القتل، ويعيشون نفس المشاعر التي يعيشها أي إنسان.
لكنّ الفرق أنّهم أعادوا تعريف الخوف. جعلوا منه قوة دافعة، لا قيدًا خانقًا. أي تحفيز ذاتي بمصطلح اليوم.
الخوف من الله… لا من الموت:في منظومة القيم التي تربّى عليها أصحاب الإمام الحسين، لم يكن الموت هو الهاجس. لم يكن النهاية المخيفة التي تهدم كل شيء. كانوا يخافون شيئًا آخر، أعمق وأقدس: أن يقفوا بين يدي الله وهم مقصّرون في نصرة الحق.
كانوا يرون أنّ الانسحاب من أرض الصدق أشدّ رعبًا من السيف، وأنّ التخلي عن الإمام وهو امتداد النبوّة والرسالة هو الخسارة الحقيقية. لهذا قال بعضهم: ”والله لو قُتلنا ثم نُشرنا ثم قُتلنا… لفعلنا ذلك ألف مرة“؛ ليس لأنّهم يحبّون الموت، بل لأنّهم يحبّون الحق أكثر من حياتهم.
خوفٌ يصنع الأخلاق:الخوف الذي سكن قلوبهم لم يكن اضطرابًا، بل كان ضميرًا يقظًا. كانوا يخافون من أن يخونوا مبدأهم في لحظة اختبار، يُضعفهم الهوى، ويمرّ الحق أمامهم دون أن ينصروه.
هذا الخوف الأخلاقي هو ما حوّلهم إلى نماذج لا تُنسى في التاريخ. فالإنسان لا يهرب من الخوف دائمًا، أحيانًا يرتقي به.
الخوف الذي يتحوّل إلى سكينة:الجميل في تلك النفوس الطاهرة أنّها حينما ارتبطت بالله، استقرّت. صار الخوف من الله سببًا لظهور طمأنينة داخلية:
- زهير بن القينيواجه الموقف مبتسمًا
- حبيب بن مظاهريمزح ليلة عاشوراء
- علي الأكبريدخل المعركة وهو يقول: ”أحلى من العسل“.
إنّها حالة روحية:
حين تخاف أن تخسر قيمك، لا تخاف أن تخسر جسدك.
خوف المحبة… لا خوف الرعب.
المحبّ يخاف شيئًا واحدًا فقط؛ أن يفارق محبوبه.
وهكذا كان أصحاب الإمام الحسين:
خوفهم كان خوف المحبّ من أن يقصّر، لا خوف الضعيف من أن يُهزم.
والمحبّة حين تصل إلى هذا المستوى لا تصنع جبانًا، بل تصنع إنسانًا مستعدًا للعطاء بلا حدود.
رسالة لنا اليوم:في زمن الضجيج، وضياع الأولويات، نحتاج أن نتعلّم منهم:
ليس المطلوب أن نكون بلا خوف، بل أن نعرف ماذا نخاف.
- خف أن تخسر أخلاقك.
- خف أن تهزمك نفسك.
- خف أن تمرّ لحظة تحتاج فيها إلى الحق ولا تجده فيك.
عندها، يتحوّل الخوف إلى قوة، والرهبة إلى شجاعة، والإنسان العادي إلى إنسان يقف بثبات في وجه امتحانات الحياة.
فأصحاب الإمام الحسينلم ينتصروا بالسلاح، بل بانتصارهم على خوفهم.
ومن ينتصر على خوفه الأعمق… ينتصر في كل ساحة.





معنى الخوف؟
.
رد مع اقتباس