دفع الاخر للانتحار
جريمة لا يعاقب عليها القانون العراقي الاتحاديالقاضيرحيم حسن العكيليوجد شاب – يعمل في تشغيل مولدة كهربائية – مقتولا قربها ومسدس في يده ، وثبت من خلال الفحصوصات الطبية على جثته وفحوصات المسدس بانه انتحر بمسدسه باطلاق طلقة واحدة في رأسه ، وثبت من التحقيقات بان زوجته كانت على علاقة غير مشروعة مع رجل اخر ، وزوجها المنتحر يعلم بذلك ، وعند تفريغ محتويات هاتف الزوج وجدت رسائل ( sms ) من هاتف عشيق زوجته يعلمه فيه بانه يزني بزوجته ويصف له افعال الزنا والعلامات في جسدها كوجود شامة في مكان ما وغيرها ، فأدانت المحكمة عشيق الزوجة عن ( جريمة الضرب المفضي للموت ) وفق المادة ( 410 ) من قانون العقوبات.وفي حادثة اخر اغتصب شاب زوجة اخيه في دارها ، فسكبت – حال انتهاءه من اغتصابها – النفط على نفسها واشعلت فيها النار فتوفيت متأثرة بالحروق الشديد التي اصابتها .وحدثني احد الاخوة العاملين في الامم المتحدة بان السطات المعينة في بعض الدول الغربية درست بعض حالات انتحار المراهقين في المدارس ، فوجدت بانها كانت بسبب ضغوطات وتصرفات يمارسها زملائهم ضدهم مما يدفعهم الى الانتحار ، كأن يتعمد زملاء المدرسة ضرب زميلهم يوميا ، او خلع ملابسه ، او تمزيقها ، اومنعه من اللعب معهم ، او السخرية منه ، او اخذ مصروفه او اخذ طعامه ، او اتلافه ، بشكل يومي ، فيلجأ الى الانتحار لشعوره بالعجز عن مواجهة تلك الضغوط والتصرفات ، حينما تعجز المؤسسة التربوية عن مساعدته ، ويهمله او لا يكثرث به ابواه ، او يعجز عن مصارحتهم بما يتعرض له لانهم يكذبونه او يوجهون اللوم اليه .ويقع في مجتمعاتنا ان تضغط زوجة الاب على اولاده من مطلقته او ارملته – خصوصا اذا كانوا من الاناث – بطريقة غير انسانية وقد يدفعهم ذلك الى الانتحار .وتلك الصورة الاربعة تمثل نماذج من ظاهرة ( دفع الاخرين الى الانتحار ) او ( التسبب في انتحار الاخر ) وهي صورة بشعة من صور العنف في المجتمع ضد عينة من اصناف فئاته المختلفة سواء اكانوا من الاطفال او الشباب او النساء او المسنين ، ولا يخلو منها مجتمع في العالم ، مع اختلاف مستوى ظهورها وحجم ممارستها ، واسبابها ، ودوافعها ، وشجاعة المجتمع في الاعتراف بوجودها ومدى جديته في مواجهتها .ومن اهم وسائل دفاع المجتمعات ضد هذا النوع من العنف القاسي – غير المبرر – هو تجريم هذا النوع من الافعال باعتبار ان ذلك خير وسيلة قانونية لمنع الناس من التورط فيها .وفي حدود ما يتعلق بنا في العراق فأن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 قد جرم فعلين اثنين مرتبطين بالانتحار هما ( التحريض على الانتحار ) و ( المساعدة على الانتحار ) فقط ، ولا تعد الجريمة قائمة الا اذا وقع الانتحار او شرع الشخص بقتل نفسه ، اما اذا استمر المحرض على تحريض الاخر لينتحر ولو كان صغيرا او ناقص الادراك او الارادة كالمجنون والمعتوه ، ولكن المحرض لم ينتحر ولم يحاول الانتحار ( يشرع في الانتحار ) فلا جريمة بالموضوع ولو استمر صاحبنا في التحريض على الانتحار الى ما لا نهاية ، وكذلك لو ساعده بان احضر له الاداة التي ينتحر بها كأن اعطاه مسدسا ليقتل نفسه او شد له الحبل الذي سيشنق نفسه به ، او احضر له السم ليشربه ، فأن فعله مباحا ما لم يقوم الشخص المعني بقتل نفسه او ان يحاول قتلها .اما الصورة التي ذكرناها المتعلقة بدفع اخر للانتحار او التسبب في انتحار اخر ، فلا تعد من صور التحريض على الانتحار ولا من صور المساعدة عليه ، لذا فانها غير مجرمة وفقا للقانون العراقي ، رغم بشاعة هذه الجريمة وخطورتها على من تقع عليه ، وهي اقرب الى اخطر الجرائم واقدمها ( جريمة القتل العمد )، فمن يتسبب في انتحار اخر ، او يدفعه بافعال غير مشروعة على الانتحار ، هو اقرب الى القاتل منه الى شئ اخر .ورغم ان محكمة الجنايات حكمت على عشيق الزوجة – في النموذج الاول من جرائم دفع الاخر للانتحار – وفق جريمة الضرب المفضي الى الموت المنصوص عليها في المادة ( 410 ) من قانون العقوبات ، الا ان مرتكبي افعال ( دفع الاخرين للانتحار ) في النماذج الثلاث الاخرى لم يتخذ ضدهم اي اجراء لان القانون النافذ لا يجرم افعالهم ، فلا يجرم قانوننا العقابي افعال دفع الاخرين للانتحار او التسبب في انتحارهم .ومع احترامنا لرأي محكمة الجنايات في ادانة عشيق الزوجة – الذي انتحر زوج عشيقته بسبب علاقته غير المشروعة بزوجته ورسائله في وصف جسدها ووصف افعال الزنا بها – عن جريمة الضرب المفضي الى الموت ، فأننا نختلف معها لان هذه الجريمة لا تنطبق نهائيا على فعل المتهم ، ولو ان النص جاء بالقول :-( من اعتدى عمدا على اخر بالضرب …. او بارتكاب اي فعل اخر مخالف للقانون ، ولم يقصد من ذلك قتله ، ولكنه افضى الى موته … )فيبدو لاول وهله ان فعل العشيق يدخل في عموم قول النص ( او بارتكاب اي فعل اخر مخالف للقانون ) باعتبار ان زنا العشيق بزوجة المنتحر وارساله الرسائل اليه فعل مخالف للقانون ادى الى موته ، ولكن ذلك غير صحيح لانه يشترط لقيام ( جريمة الضرب المفضي الى الموت ) ان يكون فعل الجاني ماسا بسلامة جسد المجنى عليه او صحته ، وصالحا في حد ذاته في تحقيق الوفاة ، في حين ان الفعل المخالف للقانون الذي ارتكبه العشيق وهو الزنا وارسال رسائل ( sms ) لا يعد ماسا بجسد المنتحر ، ولا تصلح نهائيا لتحقيق وفاته ، فلا يمكن ان يصلح الزنا بالزوجة لتحقيق وفاة الزوج مهما تكرر ، ولا يصلح ارسال الرسائل بالهاتف النقال لتحقيق الوفاة نهائيا .فيتوجب لتجريم فاعل ما ان تكون الجريمة ناتجة عن سلوكه الاجرامي وفقا لنص المادة ( 29 / 1 ) من قانون العقوبات ، ولا يمكن ان يقال ان موت الضحية كان نتيجة سلوك عشيق زوجته ، لان موته كان نتيجة اطلاقه النار على نفسه من مسدسه .لكن الفعلين الذين ارتكبهما عشيق الزوجة يصلحان لترك اثر نفسي قاسي على الزوج المنتحر ، انما يظللان غير صالحين لتحقيق الوفاة ، وبالتالي لا تقوم جريمة الضرب المفضي الى الموت في فعل العشيق .لكن الزنا بالزوجة وارسال الرسائل باوصاف مواقعتها وعلامات جسدها الفارقة ، اثرت في الضحية نفسيا وشكلت ضغطا شديدا عليه فادى به الى قتل نفسه ، ففعل الضحية هو من ادى الى الوفاة وليس فعل العشيق . ولكن العشيق بافعاله دفع الضحية الى الانتحار او تسبب في انتحاره .لذا فأن افعال العشيق التي دفعت الضحية للانتحار غير مجرمة لعدم انطباق اي نص عقابي عليها ، وهو لا يمكن ان يلاحق عن جريمة الزنا لان هذه الجريمة لا تحرك الا بشكوى الزوج ، الذي قتل نفسه قبل ان يحرك الشكوى عن جريمة زنا الزوجية ، فلا يمكن قانونيا تحريكها من بعده .وما نريد قوله في النهاية هو ان افعال ( دفع الاخرين للانتحار ) او ( التسبب في انتحارهم ) غير مجرمة في القانون الاتحادي العراقي ، ولا يمكن ملاحقة مرتكبيها التزاما بالقاعدة الدستورية العامة ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) ، الا ان اقليم كوردستان عالج هذا الموضوع – بفضل صلاحياته الاقليمية – مرتين :-المرة الاولى :- حينما اوقف – بموجب القانون رقم ( 42 ) لسنة 2004 نفاذ المادة ( 408 / 1 ) من قانون العقوبات واحل محلها الاتي :- ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حرض شخصا او ساعده باية وسيلة على الانتحار او تسبب فيه ، اذا ما تم الانتحار بناء على ذلك ، وتكون العقوبة الحبس في حالة الشروع ) .فاقليم كوردستان جرم فعل ثالث اضافة الى الفعلين الموجودين بالنص الاتحادي ( التحريض والمساعدة ) هو ( التسبب في الانتحار ) ، وهذا يستوعب فروض دفع الاخر على الانتحار بنماذجه المختلفة التي ناقشناها في هذا المقال .المرة الثانية :- حينما جرم ( الانتحار اثر العنف الاسري ) كصورة من صورة العنف الاسري في المادة الثانية من قانون مناهضة العنف الاسري في اقليم كردستان رقم ( 8 ) لسنة 2011 . ورغم ان صياغة النص لم تكن موقفة بهذه العبارة الا ان ارجاعها الى اصلها باعتباره صورة من صور العنف الاسري وفق تعريفه في المادة الاولى من القانون ([3])، يجعل النص مستوعبا لفروض الانتحار بسبب ضغوطات العنف داخل الاسرة .الا ان هذين النصين لا يطبقان الا في حدود اقليم كوردستان فقط ، مما يتطلب اصدار قوانين من مجالس المحافظات طبقا لصلاحياتها الدستورية ، او تعديل قانون العقوبات الاتحادي بما يضمن تجريم افعال ( دفع الاخر للانتحار ) او ( التسبب في انتحاره





رد مع اقتباس