الإستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز الجهل بالقانون
إذا كان هناك إعتبارات من النظام العام والمصلحة العامة تبرر مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون,
فقد توجد - في بعض الأحيان - اعتبارات أخرى مماثلة تبرر جواز الاعتذار بجهل القانون .لذلك فإن قرينة العلم بالقانون ليست قرينة قاطعة بحيث لا يجوز إثبات عكسها, بل هيقرينة بسيطة يمكن دحضها . فلا يمكن تطبيق القانون إذا انتفت هذه القرينة بطريقة حاسمة .وعليه يرد على مبدأ امتناع الإعتذار بجهل القانون مجموعة من الإستثناءات التي قال بهاالفقه والتي حرص بعض المشرعين دون المشرع الجزائري على النص على بعضها .وسند هذه الإستثناءات أن المشرع لا يكلف بمستحيــــل , فإذا افترض المشرع العلم بالقانونفهو يفترض كذلك إمكان هذا العلم, فإذا انتفى الإمكان لم يعد للإفتراض ما يبرره .الإستثناء الأول : القـــــــــوة القــــــــاهرةمضمونه : أنه إذا استحال علم الشخص بالقانون بسبب قوة قاهرة حالت دون وصولالجريدة الرسمية إلى منطقة أو مناطق معينة من إقليم الدولة, فإنه لا يمكن إعمالمبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون, بل إن هذا المبدأ مستبعد, فيمكن بالتالي الإحتجاجبجهل التشريع (القانون ) الجديد, وذلك إلى حين زوال السبب الذي جعل العلم بهذا التشريعمستـحيـلاً, أي بوصول الجريدة الرسمية التي تتضمنه إلى الأشخاص المخاطبين بحكمه .وكمثال على القوة القاهرة : احتلال العدو لإحدى مناطق الدولة...والحرب ...والزلزال وغيرهامن الظروف التي يستحيل معها علم الأفراد بالتشريع بالوسيلة المخصصة لذلك (الجريدة .ر)وتطبيق مبدأ عدم جواز الجهل بالقانون في هاته الحالات لا يتفق مع مبدأ العـــــــــــدل .مناقشة هذا الإستثناء :
يلاحظ على هذا الإستثناء ما يلي :1 - إن مجاله ينصرف فقط إلى القواعد التشريعي دون غيرها من قواعد الدين والعرفذلك أن التشريع وحده هو الذي ينشر في الجريدة الرسمية وهو الذي يفترض العلم به بهذا النشر .2 - إنه نادر التحقق اليوم, نظرا لتقدم تكنولوجيا المواصلات وخاصة الجوية منها3 - إن الأمثلة التي سوقها الفقهاء للتدليل على القوة القاهرة لا تعتبر في الحقيقةاستثناءاً من قاعدة لا عذر بجهل القانون, بل هي تطبيق لها, إذ أن عدم علم المواطنين مثلافي إقليم احتله العدو, بالتشريعات التي تصدر أثناء الإحتلال إنما يرجع إلى عدم استطاعة الإحتجاجمن قبلهم بنشرها, ذلم ان النشر الذي به وحده تنهض قرينة على افتراض علمهم بتلك التشريعاتوليس إلى استحالة العلم بها استحالة مطلقة .الإستثناء الثاني : إبطــــــــــــال العقد لغلــط في القــــانونمضمونه : ذهب بعض الفقهاء إلى أن تمكين القانون المتعاقد الواقع في غلط في القانونمن إبطال العقد يعتبر خروجاً على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون,فاعتبروا الحمايةالتي يسيغها القانون لهذا المتعاقد حينئذ منطوية على استثناء من هذا المبدأ .وقد نصت المادة 81 من التقنين المدني الجزائري على أنه( يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد أن يطلب إبطاله) .ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له أمراً على غير حقيقتهويدفعه إلى التعاقد ومن أمثلة الغلط في القانون التي تجيز للمتعاقد طلب إبطال العقدمايلي :أن يتعهد شخص بدفع دين طبيعي وهو يعتقد أن هذا الدين ملزم مدنياًفيجوز له في هذه الحالة أن يطلب إبطال التعهد نظرا للغلط في القانون الواقع هنافي صـفـة جــــوهريــــة في الشـــــيء .مناقشة هذا الإستثناء :نرى مع بعض الفقهاء عدم التسليم بهذا الإستثناء لأن إبطال العقد لغلط في القانونليس فيه خروج على مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون بل هي وسيلة لتدعيمهفمن يطلب إبطال العقد لوقوعه في غلط في القانون لا يقصد التهرب من أحكامالقانون الذي وقع الغلط فيه, بل إنه في الحقيقة يطالب يتطبيق هذه الأحكامفمثلا : الوارث الذي يجهل قواعد الميراث ويقع في غلط في قدر الحصةالتي تفرضها له, ثم يطلب إبطال عقد البيع الذي أبرمه تحت تأثير هذا الغلطلا يمنع الحكم له بإبطال البيع من خضوعه لقواعد الميراث التي كان يجهلها .الإستثناء الثالث : الجهل بتشريع جنائي يتوقف عليه تقرير المسؤولية الجنائيةمضمونه : أنه إذا كان الجهل بأحكام تقنين العقوبات لا يؤدي إلى إعفاء مرتكبالجريمة من مسؤوليته الكاملة عند ارتكابها, فإن الجهل بأحكام تقنين آخركالتقنين المدني يأخذ حكم الجهل بالواقع الذي يؤدي إلى نفي القصد الجنائيورفع المسؤولية الجنائية عن الفاعل الذي كان يعتقد أنه يأتي فعلاً مشروعاوهذا معناه أن مبدأ عدم جواز الإعتذار بجهل القانون لا يمتد تطبيقه إلى الجهلبالتشريعات غير الجنائية, إذا أن الجهل بهذه التشريعات الأخيرة يصلح عذرا يمنعمن العقاب لانتفاء القصد. وقد نصت المادة 223 من تقنين العقوبات البنانيصراحة على هذا الإستثناء إذ قضت أنه : ( لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله الشريعةالجزائية أو تأويله إياها تأويلاً مغلوطاً : 1 - الجهل أو الغلط الواقع على شريعةمدنية أو إدارية يتوقف عليها فرض العقوبة ) .مناقشة هذا الإستثناء :نرى مع جانب من الفقة أن ارتفاع المسؤولية الجنائية في هذه الحالة استثناء فيالظاهر فقط, ولا يمثل خروجا على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون, وذلك لاعتبارين :الأول : إن الحكم ببراءة المتهم وارتفاع المسؤولية الجنائية عنه ليس من شأنه أن يمنعتطبيق القاعدة الواردة في التقنين المدني, التي تثبت جهل المتهم بها, بل تظل ساريةبحقه ومطبقة عليه,الثاني : إن إعفاء الشخص من المسؤولية الجنائية ليس أساسه الجهل بالقاعدة المدنيةمثلاً, بل إنه نتيجة لانتفاء القصد الجنائي عنده, ذلك أن القصد الجنائي لا يتحقق في هذهالحالة إلا بالعلم بحكم قاعدة قانونية غير جنائية .ومادام المتهم هنا يجهل حكم هذه, فقد انتفى القصد الجنائي عنده, وهو أحد أركانقيام الجريمة, فترفع عنه المسؤولية الجنائية تبعاً لذلك .الإستثناء الرابع :جهل الأجنبي بأحكام تقنين العقوبات للدولة التي نزل بها منذ مدة وجيزة(الإستثناء المنطقي والعملي الوحيد)نص تقنين العقوبات في بعض الدول على هذا الإستثناء, فقد جاء في المادة 2/37من تقنين العقوبات العراقي مايلي : ( - للمحكمة أن تعفو من العقاب الأجنبي الذيارتكب جريمة خلال سبعة أيام على الأكثر تمضي من تاريخ قدومه إلى العراق إذا ثبتجهله بالقانون وكان قانون محل إقامته لا يعاقب عليها ) .يتضح من خلال هذا النص أن هذا الاستثناء يتعلق بحالة الأجنبي الذي لم يمضعلى قدومه إلى دولة غير دولته إلا أيام قلائل, ويرتكب في خلال هذه الفترة فعلايجهل أنه جريمة وفقاً لتشريع هذه الدولة, فيصلح ها الجهل عذرا يرفع عنه العقوبة,وذلك بتحقق شرطـيـن هما :
الأول : أن يكون الفعل الذي ارتكبه غير معاقب عليه وفقا لتقنين العقوبات في بلدهوفي البلاد التي كان مقيما فيها, فإذا كان معاقبا عليه في أي منهما, تعين عليهحينئذ أن يعلم باحتمال تجريمه في الدولة الأجنبية التي نزل بها, فلا تعطى له
بالتالي فرصة التعلل بالجهل بالقانون .الثاني : أن يكون الفعل المكون للجريمة قد تم في خلال المدة التي حددها النصمن تاريخ وصوله إلى الدولة الأجنبية. فإذا انقضت هذه المدة لم يعد يقبل منهاحتجاجه بجهله يبيح للشخص أن يتعلل بجهله القـــانون .





رد مع اقتباس