الخبرة القضائية بين التشريع والتطبيق المحامي زهير ضياء الدين
تعني الخبرة في القضاء إستعانة المحكمة بالخبراء في الامور العلمية والفنية وغيرها من الأمور اللازمة للفصل في الدعوى دون المسائل القانونية وقد تضمن قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 وضمن المواد (132) لغاية (146)
جميع الجوانب التي تنظم الخبرة القضائية حيث تناولت آلية إختيار الخبراء وعددهم وإختيار خبراء لم ترد أسماؤهم في جدول الخبراء ومبررات طلب الخبرة ورد الخبراء من قبل أطراف الدعوى والبيانات الواجب تثبيتها من قبل المحكمة عند التكليف بالخبرة والخبرة الوجاهية وتسديد أجور الخبراء وصلاحية المحكمة بإتخاذ تقرير الخبراء أساساً للحكم مع صلاحيتها
بعدم التقيد برأي الخبراء وتقدير أتعاب الخبير ومصروفاته وإمكانية مباشرة الخبير بمهمته بحضور أو غياب أطراف الدعوى ومضمون تقرير الخبراء أو تكليفهم بإكمال النواقص وأخيراً الطعن بتقرير الخبراء.
والمطلع على واقع القضاء العراقي وبشكل خاص القضاء المدني والأحوال الشخصية يتلمس بوضوح الدور الكبير الذي يناط بالخبراء في تحديد الضرر وتقدير التعويضات وفي معظم الأحيان نجد ان المحاكم وإستناداً الى نص المادة (140) من قانون الإثبات تتخذ من تقارير الخبراء سبباً لحكمها بالرغم من كون الفقرة ثانياً من نص المادة ينص على ان رأي الخبير لايقيد المحكمة ولها ان تقضي بخلافه مع تسبيب ذلك في قراراتها ومن أبرز الجوانب السلبية التي يمكن التطرق إليها في مجال الخبرة القضائية الآتي:
1- قيام بعض القضاة بإحالة الدعوى الى الخبراء لتقدير التعويض قبل ان تقوم المحكمة بالبت في المسائل القانونية في الدعوى وبشكل خاص وجود الضرر من عدمه والمسؤولية عنه خلافاً لنص المادة (132) من قانون الإثبات التي تنص على تناول الخبرة في الأمور العلمية والفنية وغيرها من الأمور اللازمة للفصل في الدعوى دون المسائل القانونية ) ويترتب على ذلك جملة من السلبيات أهمها إطالة الوقت للنظر في الدعوىفقد تجد المحكمة عند تصديهاللمسائل القانونية فيهاان تلك الدعوى واجبة الرد تحميل أطراف الدعوى أجور الخبراء دون مبرر. إضافة الى إضاعة وقت المحكمة وأطراف الدعوى كما ان ذلك الإجراء الذي أتخذ من المحكمة قبل أوانه يوحي بوجود إحساس بالرأي لدى المحكمة من خلال إتجاه المحكمة الى تقدير التعويض الذي يستحقه المدعي قبل حسم المسائل القانونية مما يتطلب إلتزام المحكمة التي تنظر الدعوى بحسم المسائل القانونية قبل إحالتها للخبراء.
2- عدم إلتزام العديد من المحاكم عند إنتخاب الخبراء بإختصاصاتهم ومؤهلاتهم التي تؤهلهم كخبراء في الدعوى التي تحال إليهم فنجد ان العديد من الخبراء المهنيين الذين لايمتلكون مؤهلات علمية في إختصاص محدد يتم إنتخابهم كخبراء في معظم أنواع الدعاوى وينسحب ذلك على الخبراء من الزملاء المحامين الذين يتم إنتخابهم كخبراء في دعاوى لاعلاقة لها بإختصاصاتهم وخاصة تلك الدعاوى التي تتطلب خبرة عالية في أحد الإختصاصات الدقيقة.
وتلعب المجاملة والعلاقات الشخصية دوراً كبيراً في هذا المجال الذي يؤثر سلبياً على حقوق المواطن مما يوجب على المحكمة ان تلتزم وبدقة بإختصاص الخبير عند إنتخابه بحيث يكون مؤهلاً لتقديم خبرة علمية وعادلة.
3- يُعد دور الخبير القضائي في الدعوى أساسياً ومكملاً لدور القاضي حيث ان المحكمة ستعتمد تقريره سبباً للحكم وبالتالي سيكون تقريره العنصر الأساسي في تحديد التعويض الذي يستحقه المدعي وهو لب الدعوى وجوهرها مما يتطلب ان تتوفر في شخص الخبير نفس المواصفات المطلوب توافرها في القاضي كالعدل وعدم الخضوع للضغط والإبتزاز والأمانة والنزاهة والمعرفة الدقيقة بمجال الخبرة التي يكلف بها إلا انه ومن إطلاعنا على واقع الحال نجد ان الكثير من تلك المواصفات لاتتوفر في العديد من الخبراء مما يخل بصحة الخبرة التي يقدمونها للمحكمة ونذكر لاحقاً أبرز تلك الماخذ.
أ - خضوع العديد من الخبراء للتأثير من قبل أحد طرفي الدعوى والإنحياز لجانبه لسبب أو لآخر .
ب- قبول الخبير إنتخابه في الدعوى رغم عدم توفر الخبرة الكافية لديه في موضوعها.
ج- في حالة إعتراض أحد أطراف الدعوى على تقرير الخبير المنفرد وإنتخاب ثلاثة خبراء أو أكثر في الغالب يتم إعداد التقرير الجديد من قبل خبير واحد بينما يتولى بقية الخبراء تثبيت تواقيعهم على التقرير دون المشاركة الفعلية في الإطلاع الدقيق على الدعوى وبالتالي إعداد التقرير بشكل مشترك لإنصاف صاحب الحق.
د - عدم توفر العديد من المواصفات الضرورية التي يجب ان تتوفر في كل خبير قضائي بما في ذلك المعرفة والشخصية والحالة الصحية والمستوى العلمي.
هـ - هنالك بعض الخبراء ملازمون للعمل مع قضاة معينين في نفس المحكمة وبإستمرار مما يخل بإستقلالية وصحة الخبرة.
ولغرض النهوض بمستوى الخبرة في القضاء العراقي الى المستوى الذي يتناسب مع اهميتها بإعتبارها تشكل ركناً اساسياً في تحقيق العدالة نقترح الآتي:
1- إعادة النظر بجدول الخبراء في جميع المناطق الإستئنافية في القطر بإعادة تقييم جميع الخبراء المعتمدين حالياً إستكمالاً لعملية التطهير التي شهدها القضاء العراقي والتي كان لها أثر إيجابي وذلك بإستبعاد العناصر التي لاتتمتع بالنزاهة أو الكفاءة المطلوبة.
2- إعتماد أسس جديدة لتسجيل الخبراء بما في ذلك إجراء مقابلة لكل منهم من قبل لجان متخصصة في مجال خبرتهم.
3- تحديد المجالات التي ينتدب فيها كل خبير وبما ينسجم مع مؤهلاته وخبرته على ان تلتزم المحاكم بهذا التحديد وهذا ما إعتمدته محكمة إستئناف بغداد بقرارها في الكشف / 20 / مستعجل / 1981 في 28 / 2 / 1981 المنشور بمجلة الأحكام العدلية العدد الاول لسنة 1981 ص 113 والذي تضمن ( عدم جواز الإستعانة بخبير للبت في موضوع خارج عن إختصاصه المدرج في جدول الخبراء أمام القضاء حيث يلزم ان يكون الخبير ملماً الماماً كافياً بالامور المطلوبة الكشف عليها ).
4- تنظيم دورات في المعهد القضائي للخبراء القضائيين بهدف زيادة معارفهم بمهامهم وفقاً للقوانين والسياقات الواجب إتباعها بعملهم.
5- خضوع الخبراء القضائيين للرقابة والمحاسبة حيث يندر ان نشاهد عملية محاسبة لأي من الخبراء بما في ذلك شطب أسماء المخالفين من جدول الخبراء وإلتزامهم بتعويض المتضررين بسبب خبرتهم