علاقة القانون التجاري بالقانون المدني وفروع القانون

1
ـ القانون التجاري ليس إلا فرعا من فروع القانون الخاص شأنه في ذلك شأن القانون المدني إلىجوار الفروع الأخرى كقانون العمل وقانون الأسرة وإذا كان القانون المدني ينظم أساساكافة العلاقات بين مختلف الأفراد دون تميز بين نوع التصرف أو صفة القائم به أيقانونا عاما فإن القانون التجاري ينظم فقط علاقات معينة هي العلاقات التجارية وقدأدى إلى ظهور هذا النوع من القواعد القانونية الظروف الاقتصادية والضرورات العمليةالتي استلزمت خضوع طائفة معينة من الأشخاص هم التجار ونوع معين من المعاملات هيالأعمال التجارية لتنظيم قانوني يتميز عن ذلك الذي يطبق على المعاملات المدنية حيثعجزت القواعد المدنية عن تنظيم المعاملات التجارية التي قوامها السرعة من جهةوالثقة والائتمان من جهة أخرى.
فالملاحظة أن المعاملات المدنية تتسم دائمابالثبات والتروي.
2
ـ وعلى عكس ذلك البيئة التجارية التي تتطلب السرعةوالثقة في وقت واحد فطبيعة العقود التي تجرى في مجال التجارة تختلف كل الاختلاف عنتلك التي تجرى في البيئة المدنية ذلك أن الصفقات التي يبرمها التاجر لا تكون بقصدالاستعمال الشخصي أو بقصد الاحتفاظ بها وإنما لإعادة بيعها لتحقيق ربح من فروقالأسعار كما وأن مثل هذه الصفقات تعقد كل يوم مرات ومرات بالنسبة لكل تاجر وهويبرمها بأسلوب سريع.

3- وقد ظهرت فعلا عادات وتقاليد معينة التزمت بها طائفة منالتجار في معاملاتهم التجارية تختلف عن تلك القواعد التي تنظم المعاملات المدنيةواضطر المشرع إلى تقنين هذه العادات التجارية في مجموعات خاصة بالتجارة والتجاروظلت هذه القواعد الجديدة تزداد شيئا فشيئا حتى اصبح لها كيان مستقل.


4
ـ على أنه لما كان القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع الأفراد وجميع التصرفاتفإن أحكام وقواعد القانون التجاري ليست إلا استثناء من أصل عام يجب الرجوع إليه فيكل حالة لا يحكمها نص خاص. تظهر هذه الصلة الوثيقة بين القانون المدني والتجاريبوضوح في معظم التشريعات ففي القانون الفرنسي وكذلك الجزائري نجد المجموعة التجاريةلا تتكلم عن البيع إلا في مادة واحدة وتلجأ بالنسبة لباقي الأحكام إلى القواعدالعامة بالقانون المدني.
5
ـ على أننا نجد من جانب آخر أن القانون التجاري أثرهفي القانون المدني ويتمثل في عدة حالات منها اعتبار الشركات التي تأخذ الشكلالتجاري شركات تجارية تخضع للقانون التجاري أيا كان موضوع نشاطها كما قد يقررالمشرع اكتساب الشركة لصفة التاجر بصرف النظر عن طبيعة نشاطها سواء كان موضوعنشاطها تجاريا أو مدنيا ومن الأمثلة شركات الأسهم تجارية دائما وذلك بحسب الشكلسواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا والتشريع التجاري الجزائري الصادر سنة 1975والذي نصت المادة 544 منه على أن تعد شركات بسبب شكلها مهما كان موضوعها شركاتالمساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن.
6
ـ المناداة بوحدةالقانون الخاص :
نظرا للصلة الوثيقة بين أحكام القانونين التجاري والمدني ظهراتجاه في الفقه القانوني ينادي بإدماجهما معا في قانون واحد يطبق على جميع الأفرادوفي جميع المعاملات دون تفرقة بين عمل مدني أو تجاري أو بين تاجر وغير تاجر وذلكبفرض الوصول إلى ما يسمى بوحدة القانون الخاص.

7
ـ ويطالب أنصار هذا الرأيبسريان قواعد القانون التجاري من سرعة وبساطة، في الإجراءات على قواعد القانونالمدني كلما اقتضى الأمر ذلك حتى يفيد من ذلك التاجر وغير التاجر كما أنه إذا كانتإجراءات القانون المدني بها بعض القيود والشكليات في تصرفات معينة أو عقود خاصةنظرا لأهميتها فإنه يمكن فرض هذه القيود والشكليات في تصرفات التجارية الهامة حتىتستقر بشأنها المنازعات.
ويرى أنصار هذا الرأي أن القانون التجاري بإعتبارهقانون الأعمال في عصرنا هذا إنما يتضمن في الواقع النظرية العامة في الأموالوالالتزامات التي تطبق على جميع التصرفات التي تجرى بين الأفراد العاديين وبين منيساهمون في الحياة الاقتصادية بصفة عامة.
8
ـ قد أخذت فعلا بعض البلاد بهذاالاتجاه كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا حيث استطاعتمعظم هذه البلاد إدخال العناصر والصفات التجارية للقانون المدني ومثال ذلك القانونالمدني الإيطالي الصادر عام 1942 الذي رد القانون التجاري إلى حظيرة القانون المدنيفألغى مجموعة القانون التجاري وأدمج موضوعاتها في مجموعة القانون المدني.
9
ـضرورة استقلال القانون التجاري :
إن فكرة المناداة بتوحيد أحكام القانونالتجاري مع القانون المدني وإن كانت تعد منطقية في ظاهرها إلا أنها تخالف في جوهرهاحقيقة الأوضاع والضرورات العملية فما من شك أن المعاملات التجارية لها لما يميزهاعن المعاملات المدنية مما يستتبع وضع نظام خاص بها فطبيعة المعاملات التجارية تقتضيالسرعة وسهولة الإجراءات.
وليس من المفيد أن تنتقل هذه التسهيلات إلى الحياةالمدنية التي تتسم بطابع الاستقرار والتروي وذلك أن من شأن تعميم هذه السرعة فيالإجراءات زيادة المنازعات وعدم استقرار التعامل بين المدنيين وصعوبة الإثبات أمامالقضاء وخاصة أن مسك الدفاتر أمر لا يلتزم به سوى التجار كما وأن المناداة بنقل بعضالإجراءات الرسمية والشكلية المدنية إلى العقود التجارية أمر يؤدي في الواقع إلىعرقلة التجارة مهما بلغت أهمية عقودها أو ضخامتها. كما أن تشجيع المدنيون علىالتعامل بالأوراق التجارية خاصة الكمبيالات منها من شأنه أن يدفع بهذه الطائفة منالأفراد في مجالات لا شأن لها بها.
10
ـ ويلاحظ أن البلاد التي أخذت بتوحيد كلاالقانونين لم تستطع إدماجها إدماجا كليا حيث ظلت فيها بعض الأحكام والقواعدالمستقلة التي تنفرد بها المعاملات التجارية وطائفة التجار كما هو الحال في بلادالأنجلوسكونية ومن الأمثلة على ذلك إنجلترا حيث أصبحت النظم التجارية منفصلة عنمجموع القانون العام مثل قانون بيع البضائع وقانون الإفلاس والشركات وكذلك الحال فيكل من القانون السويسري والإيطالي الذي وضع كل منها بعض النظم الخاصة بالتجارةوالتجار مثل مسك الدفاتر التجارية والإفلاس.
إن للقانون التجاري أصالته في عدةموضوعات لا نجد لها سندا إلا بالمجموعة التجارية مثل الإفلاس وتصفية الأموالوعمليات البنوك خاصة ما يتعلق منها بالحساب الجاري وخطابات الضمان والتحويل المصرفيالتي نشأت نتيجة المقتضيات العملية واقرها القضاء التجاري.
11
ـ والواقع أنه مامن شك في أن لكل من القانون المدني والتجاري مجاله وأن في إدماجهما في قانون واحدلا يتناسب مع طبيعة معاملات كل منهما بل أن فيه إنكار للواقع على أن استقلالالقانون التجاري لا يعني إنكار الصلة الوثيقة بينه وبين القانون المدني إذ قد يعتمدالقانون التجاري على بعض أحكام القانون المدني اعتمادا كليا ويكتفي بالإحالة عليهاويؤدي هذا إلى اعتبار القانون المدني الأصل العام الذي يرجع إليه كمصدر من مصادرالقانون التجاري.
12
ـ علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد :
يتصل القانونالتجاري اتصالا وثيقا بعلم الاقتصاد فهذا الأخير يبحث إشباع الحاجات الإنسانية عنطريق موارد الثروة وعلم القانون ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات وتحقيقهافالأشياء أو الأموال التي يهتم رجل الاقتصاد بعوامل إنتاجها وتداولها وتوزيعهاواستهلاكها هي ذاتها التي يهتم رجل القانون ببيان نظامها من الناحية القانونيةوالقضائية والاتفاقية وهذه الأشياء التي يتناولها رجل القانون ورجل الاقتصاد كل منناحيته هي تلك التي يراد استخدامها وتسخيرها لخدمة الإنسان في أجسادهم وأرواحهم.
والواقع أن هذه الصلة الوثيقة بين القانون التجاري وعلم الاقتصاد أساسها مايتركه كل منهما من أثر على الآخر فالنشاط الاقتصادي واتساعه أدى إلى خلق قواعدقانونية جديدة في المجال التجاري والجوي والصناعي والمالي مثل عقود النقل والتأمينوالتشريعات الصناعية وعمليات البنوك كما وأن هذه الصلة الوثيقة بينهما جعلت البعضيرى في القانون التجاري النشاط الاقتصادي.
13
ـ علاقة القانون التجاري بالقانونالدولي :
للقانون التجاري صلات وثيقة بالقانون الدولي الخاص فهو يقوم بتنظيمالعلاقات التجارية الخارجية إذ يحكم المعاملات التي تنشأ بين أفراد الدولة مع رعاياالدول الأخرى في المعاملات الناشئة عن التصدير والاستيراد والتبادل التجاري بينرعايا الدول المختلفة وللقانون التجاري أيضا صلة بالقانون الدولي تظهر في حالةإبرام اتفاقيات تجارية دولية وتعتبر هذه الصلة بين القانون التجاري وكل من القانونالدولي الخاص والعام سببا في اعتبار الحاجة ماسة إلى توحيد حكم هذا الفرع منالقانون،فنظرا لازدياد العلاقات التجارية الدولية نتيجة سهولة وسائل النقل وانشارهانشأت الحاجة إلى توحيد أهم قواعد القانون التجاري نظرا لاختلاف القواعد الداخليةلكل دولة وذلك للقضاء على مشكلة تنازع القوانين وقد لجأت الدول والتجار إلى عدةوسائل لتوحيد أحكام القانون التجاري ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
أ/ ـ فيمجال التوحيد الإتفاقي لا التشريعي لجأ التجار أنفسهم إلى وضع قواعد اتفاقية موحدةللعلاقات الدولية يؤخذ بها إذا رغب أطراف التعاقد بمعنى أن توحيد الأحكام يتم بطريقإصدار نماذج عقود دولية يلتزم المتعاقدين بها في عقودهم الدولية ومن ذلك عقود البيعالدولية النماذج المعدة لعقد التصدير والإستراد أو العقود التي تجريها الهيئاتالمهنية كالنقابات والغرف التجارية.
ب/ ـ في مجال المعاهدات لجأت الدول إلىتوحيد بعض أحكام القانون التجاري عن طريق المعاهدات الدولية التي تضع أحكام قانونيةموحدة تقبلها الدول الموقعة عليها وتلتزم بها في العلاقات الدولية فقط بمعنى أنالعلاقات الداخلية لهذه الدول الموقعة على الاتفاقيات لا تخضع لأحكام هذه الأخيرةوإنما تخضع لأحكام القانون الداخلي ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية بون 1953 في حالاتالنقل بالسكك الحديدية إذ حددت هذه الاتفاقية شروط وآثار عقد النقل في حالة ما إذاكان النقل يتعدى الحدود السياسية للبلاد المتعاقدة.
ج/ ـ كما لجأت الدول إلىعقد اتفاقيات دولية تؤدي إلى إنشاء قانون موحد لجميع الدول المتعاقدة على أن تتعهدهذه الدول بتعديل قانونها الداخلي بما يطابق أحكام هذه الاتفاقيات بحيث تصبح هذهالأخيرة بمثابة قانون داخلي ومن الأمثلة على هذه الاتفاقيات اتفاقية جنيف بخصوصتوحيد أحكام الكمبيالة والسند الإذني سنة 1930 وأحكام الشيك 1931.
منقول