اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان العدد الاول بضيافة حياة الحاج باسم الكربلائي


إليكم نبذة عن حياة خادم المنبر الحسيني الشيخ الجليل ياسين الرميثي رحمه الله


خادم المنبر الحسيني الشيخ ياسين الرميثي



لما كان دور للعلم في تربية الأجيال وتوعية الناس وتهيئة الأساتذة والفضلاء والخطباء لتوجيه الكلمة النافعة بما ينفع المجتمع المسلم على وجه العموم والخصوص فكذلك هناك دور للمنبر الحسيني الرسالي في وعظ وإرشاد المسلمين عامة والمؤمنين خاصة حيث ترك أثرا ايجابيا ملموسا في نفوس الناس، حيث أن المنبر والعلم صنوان لا يفترقان من حيث المبدأ لخلق الإنسان الأمثل والمسلم الأفضل ومن هنا وهناك جاء الدور لنذكر سيرة وخدمة وجهاد عَلَمٍ من أعلام المنبر الحسيني وهو فضيلة المجاهد الغريب الحاج الشيخ (ياسين الرميثي) طيب الله ثراه صاحب قصيدة (يا حسين بضمايرنه) -أنشودة الأجيال والموالين جيلا بعد جيل- والذي اقترن حبه بحب الإمام الحسين (عليه السلام).



اسمه الحقيقي الحاج ياسين خضير جبر العبيدي من مواليد 1929 م.

ولد في مدينة الرميثة الحسينية (الصوب الصغير).



والده كان من الحواريين المقربين للعلامة المجاهد أحمد أسد الله (قده) صاحب ثورة الرميثة الثانية المعروفة بـ (هيجان خوام) عام (1935 م) ومؤسس أول حركة دينية جهادية بعد ثورة العشرين وهو وكيل للإمام المجاهد المصلح المغفور له سماحة المرجع الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قده).

نشأ وترعرع في مجلس والده حتى أصبح وجيها من وجهاء المدينة ومن الشخصيات البارزة المعروفة، يتصف بأخلاق حسنة وسمعة طيبة.
خدم المنبر الحسيني ما يقارب خمسون عاما، تدرج في الخدمة المنبرية معتمدا على نفسه وبدأ بقراءة الشعر النجفي وأخذه على يد جملة من أعلام النجف الأشرف وهم: (المرحوم أمير الشعراء الشيخ عبود غفلة الشمرتي، المرحوم الشيخ هادي القصاب العارضي، والمرحوم الشيخ عبد الحسين أبو شبع، والمرحوم الحاج رسول محيي الدين، والمرحوم عبد الله الروازق، والمرحوم العلامة السيد عبد الحسين الشرع، والشاعر الفاضل علي التلال).

برز من خلال موكبه موكب أهالي الرميثة الكبير الكائن في الصوب الكبير طرف الشرقي الذي كان يقوده بكفاءة عالية خادم الحسين (عليه السلام) المرحوم السيد صالح الشرع، قبل ذلك، وبعد موكبه قرأ في مواكب المدينة ويعطيهم مستهلات ويوجههم من خلال الموكب الأكبر وكما يلي:
1- موكب صوب الصغير.
2- موكب عشيرة بني زريج.
3- موكب ديوان آل شاهر.
4- موكب ديوان البو حميد الدجيلي.
5- موكب المرحوم خادم الحسين (عليه السلام) الحاج محمد حسين الشاطر.
كل هذه المواكب في النهاية تجمع في موكبه الكبير وتتوجه حسب منهاج موضوع له.



قرأ لأهالي الرميثة المقيمين في البصرة البو حسان وأيضا قرأ لأهالي السماوة في حسينية المرحوم مجلي، ووفقه الله تعالى للقراءة في دولة البحرين الموالية عام 1975 م في مدينة عيسى وبصحبته الرادود الشهيد جواد الساعدي الكوفي، وكذلك قرأ لمدة أربع سنوات (1976- 1979 م) في محافظة ديالى قصبة خربايات .. حيث عقد هناك أرقى مجالسه العاشورية وأعاد قراءة بعض القصائد الخالدة، منها: (يا حسين بضمايرنة، تربية حيدر، خذ يا محمد، المن تعاتب، صاحت أيامك يزيد، زينب تلطم على الراس، أدور عليك يبن أمي، هاي المنابر، زينب لفت يم حسين).
أُعتقل في معتقل الفضيلية في بغداد ومعه وجهاء واشراف المدينة وهم:
1- المرحوم خادم الإمام الحسين (عليه السلام) السيد صالح الشرع.
2- المرحوم خادم الإمام الحسين (عليه السلام) الحاج محمد جواد آل رضا العبيدي.
3- المرحوم خادم الإمام الحسين (عليه السلام) محمد رضا البو حميد الدجيلي، بسبب مستهلات زيارة الأربعين في كربلاء عام (1969 – 1970 م) لشاعره المعروف الشيخ هادي القصاب في عزاء جماهيري بواقع مشهود معروف لدى أطياف الشعب العراقي لما فيها من حس وطني ديني .. وبعد ستة أشهر ُفرج عنهم فأخذ يواصل مسيرته في خدمة سيد الشهداء وأبي الأحرار (عليه السلام)، ودائما يواصل اتصاله بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) –مدينة النجف الأشرف- ويزور مراجعها ومنتدياتها الأدبية ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وله شرف متميز لدى شعراء ورواديد وخدام الإمام الحسين (عليه السلام) والرجال الأعلام في المدينة وخارجها.

وبعد الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 م هاجر أستاذنا الأجل (أبو طه رحمه الله إلى بلاد الغرب وهذا من هوان الدنيا على الله سبحانه وتعالى أن يهاجر أمثال هذا العبد الصالح إلى هناك خوفا وتقية من بطش واضطهاد أزلام النظام المقبور الذين أعدموا أولاده الثلاثة طه وعادل وعقيل وأخذ يواصل الخدمة وارتقاء الأعواد أمام شرائح ووجوه الشعب المظلوم من خلال غربته وقرا قصيدة:
غالي واشترينه حسين ** بالدم ينشره الغالي
على خطك على مسراك ** واصلنا المسيرة وياك
مهما صار منبالي ** بالدم ينشره الغالي
لشاعره المعروف المجاهد المغفور له الحاج رسول محيي الدين شاعر قصيدة (يا حسين بضمايرنه).

قدم ثلاثة قرابين شهداء بعد اعتقال أولاده الخمسة، فأفرج عن اثنين منهم قاسم وحيدر، والباقين استشهدوا ولم يُعثر على جثثهم إلى الآن وهم كل من:
1- المهندس طه ياسين الرميثي (رحمه الله).
2- المعاون الطبي عادل ياسين الرميثي (رحمه الله).
3- عقيل ياسين الرميثي خريج إعدادية (رحمه الله).

وبعد الأحداث المؤسفة من جراء الانتفاضة الشعبانية الكبرى عام 1991 م، وعلى أثر القمع والإرهاب والقتل الذي مارسته قوات جيش النظام المقبور بعد دخولهم المدن اضطر فضيلة شيخنا الجليل (رحمه الله) أن يهاجر ومعه أجلاء وأشراف من الرميثة المجاهدة وهم:
1- السيد مالك السيد جاسم آل مگوطر (عافاه الله تعالى).
2- السيد حميد السيد عبد العزيز أبو طبيخ (دام عزه)، وألقي القبض عليهم وأفرج عنهم في منطقة الخضر بلطف من الله تعالى، وكان لهم عمر جديد بعد المأساة التي عانوها .. وتوجهوا إلى مضيف المرحوم محيسن آل شبحان (رحمه الله) شيخ مشايخ عشيرة آل توبة الحچيمية وبادئ الأمر أخفوا أنفسهم كضيوف فقط إلى أن اطمئن لهم الحال فأعلنوا أسماءهم الحقيقية وإذا بالمرحوم الشيخ محيسن يكرمهم بأحسن التكريم ويبعث معهم أحد أولاده ورجاله ويعبرهم نهر الفرات إلى منطقة الدراجي بأمن وأمان، ثم ذهبوا إلى الحدود السعودية في رفحاء، ولم يعبأ شيخنا بما جرى وأخذ يواصل مسيرته في الخدمة الحسينية، حيث أقام لهم منبرا حسينيا هناك وأخذ يرتقي الأعواد ويتحفهم بصوته العذب المبارك.

بعدها هاجر هجرته الكبرى إلى بلاد الغرب .. وأيضا واصل مسيرته بموكبه وجمهوره ومعه رموز القوم من الأشراف والمجاهدين والشباب من مختلف أرجاء العراق الجريح، وقرأ وخدم برغم تدهور صحته، ثم عاد إلى وطنه الأم في نهاية عام 2003 م بعد سقوط الطاغية وأعوانه وأزلام نظامه، وواصل خدمته حتى وافته المنية على أثر مرض عضال لازمه لعقد من السنين، فلبى نداء ربه الأعلى صبيحة يوم الجمعة السادس عشر من محرم عام 1426 هجرية الموافق 5/2/2005 م، حيث انطوت صفحة مشرقة وضاءة سجلت في سجل الشعائر الدينية وفي سفر رجال المنابر الحسينية لتبقى (يحسين بضمايرنة) وباقي قصائده الخالدات في ضمير وعروق ودماء كل من أحب الإمام الحسين (عليه السلام) على الإطلاق، وخصوصا الموالين والمحبين وعشاق الروح الحسينية وليبقى الشيخ ياسين الرميثي (رحمه الله) صوتا مدويا ضد الطغاة والجبابرة والظلمة والأكاسرة، يهز عروش الظلم والجبروت والاستبداد في كل زمان ومكان على مد الدهور والعصور ..

صوت رنّ في قلوبنا منذ الصغر، داعبت مشاعرنا تلك القصيدة المدوية كأنها صرخة انطلقت قبل أكثر من ألف سنة، صرخة عاشت في ضمائرنا وأبكت عيوننا ونطقت بها ألسنتنا كأنها معزوفة الخلود، (يا حسين بضمايرنا) أطلقها من حنجرة طاهرة لتبكي العيون وتدمي القلوب، أطلقها الحاج ياسين لتدوي وليظل صداها مدى الدهر، وان مات ياسين أو متنا، فخلودها من خلود الحسين .
خلال سنين عجافٍ مرت على الشعب العراقي، لم يسلم أي شيء طيب في هذا البلد من عبث العابثين البعثيين، وتجاوزوا في انتهاكاتهم حتى على أبسط الحقوق، وامتدت أيديهم الى الصوت ليخنقوه، ظناً منهم أنهم على ذلك قادرون، وخسؤوا وخاب فالهم وانتهوا الى مزابل التاريخ، وظلت صفحاته البيضاء الناصعة تصرح بمواقف صناعها من الرجال، وكان ياسين الرميثي منهم.
وُلد الرادود الحسيني الراحل ياسين خضير جبر العبيدي في العام 1927 م في مدينة الرميثة، ونشأ وترعرع في ربوعها وأكمل دراسته الابتدائية، وإليها يعود لقبه بالرميثي، وللظروف المعيشية الصعبة آنذاك، اضطر الشيخ الى ترك الدراسة والعمل في ميدان البناء، لكنه وتحت ضغط تلك الصعوبات اضطر الى السفر الى الكويت للعمل هناك، وذلك في العام 1959 م، وبعد عامين من العمل هناك عاد الى وطنه ومنطقة ولادته الرميثة. وفي الرميثة عمل موظفاً حكومياً في العام 1961 م لغاية 1971 م حين تم اعتقاله من قبل السلطات القائمة آنذاك، وخلال تلك الفترة من حياته كان الرميثي يقرأ القصائد والمراثي الحسينية حتى اشتهر بقراءتها، وكان يتولى قيادة مواكب العزاء التي تخرج من الرميثة للمشاركة في المراسيم الحسينية التي كانت تقام في مناسبات شتى، وخصوصا في اربعينية الامام الحسين في الاربعينية. اعتقلته السلطات البعثية في كربلاء بسبب إلقائه للقصائد الحسينية، وتم نقله الى سجن الفضيلية في قصر النهاية ببغداد وبأمر من ناظم كزار مدير الأمن العامة وقتها، ليتم سجنه ستة اشهر بسبب تلك القصيدة التي كانت بعنوان (لا صادر ولا وارد.. اصبحنة على العيشة نطارد)، والتي كانت فيها إشارة ضد الحكومة وقتها، وبعد خروجه من السجن تعرض لمضايقات البعثيين بسبب إصراره على قراءة القصائد الحسينية، فكان يتخذ من المسجد الشرقي في الرميثة مكاناً لقراءة قصائده، حتى منعته السلطات البعثية من القراءة لأي قصيدة في العام 1975، ولم يتوقف الرميثي عن القراءة، فسافر الى البصرة وقرأ قصائد هناك، ثم سافر الى البحرين وهناك أنشد بصوته القصائد التي تذكر بمصائب أهل البيت وما جرى عليهم من حكومات الجور، ومن البحرين عاد الى العراق ليستمر في إنشاده للقصائد، ثم في العام 1976 م سافر الى الكويت وشارك شيعة أهل البيت هناك قصائد الولاء والتفجع لمصائبهم، ثم عاد من الكويت الى العراق، وفي العراق كان ينتقل من مكان الى آخر منشداً مختلف القصائد الحسينية، وفي بعقوبة قرأ القصيدة المشهورة (يحسين بضمايرنة)، وكانت تحمل إشارات ونقداً عنيفاً لحكومة البعث التي مارست مختلف الأساليب لمنع ممارسة جميع الشعائر الحسينية، وكان منها ان منعت في العام 1977 م قراءة القصائد الحسينية منعاً باتا، وشرّعت قوانين صارمة بحق من يخالف ذلك، ونتيجة لذلك فقد تحول الرميثي للعمل في التجارة في مدينة الرميثة، وظل كذلك حتى كان العام 1991 م حين انتفضت الجماهير انتفاضتها الشعبانية، فكان من بين المنتفضين بل من قادتهم في مدينة الرميثة، وشارك هو وشباب الرميثة في قتال أزلام النظام، وعندما استطاع النظام أن يقمع الانتفاضة بالمساعدة الدولية والعربية، ترك الرميثي وكثيراً من اهل الرميثة مدينتهم وهموا بالخروج الى السعودية، وقد عرض عليه القنصل الإيراني أن يذهب الى إيران، إلا أنه رفض أن يكون مصيره إلا كمصير أهالي الرميثة، مما يعكس روحاً عالية وحباً جما لاهل مدينته وثباتا على المبادئ، واستقر به المقام في معسكر رفحاء للّاجئين، وفي ذلك المعسكر وبعيداً عن بطش البعثين عاد الرميثي ليمارس ما اعتاد عليه من إلقاء للقصائد الحسينية حتى العام 1994 م، حين أصيب بمرض اضطر بسببه الى المغادرة الى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وهناك اُدخل الى مستشفى سانت لويس وأجريت له عدة عمليات في القلب وأشرف على علاجه طبيب عراقي، بعدها انتقل الى (ميشفان ـ ديترويت) وبقي فيها يمارس نشاطه الحسيني وقراءة القصائد في مسجد الامام علي هناك، ولم تتحسن حالته الصحية كثيراً مما اضطره الى إجراء عمليات أخرى في ديترويت كان آخرها عملية زراعة لصمام في القلب، وذلك قبيل عودته للعراق في العام 2003 م عندما اطيح بالنظام الديكتاتوري الاستبدادي، وفي العراق واجه الرميثي على ما به من مرض وكبر في السن خبر وفاة ثلاثة من اولاده الذين غاب عنه خبرهم بعد الانتفاضة الشعبانية، ولم يعثر لهم من أثر لا في معتقلات النظام ولا في مقابره الجماعية.
وفي العراق وبعد أن عاد الرميثي، لم يمنعه ما به من مرض ان يتردد على المواكب الحسينية ويشاركهم الحزن والعزاء، وبرعايته تم إنشاء موكب كبير في الرميثة سمي باسم (موكب شيخ ياسين)، وفاءً لما قدم الرميثي من تضحيات على خط مذهب اهل البيت وإحياء لأمرهم.
وفي صبيحة يوم الجمعة المصادف 16 محرم الحرام 1426 هـ، التحق القارئ ياسين الرميثي بالرفيق الأعلى وسط تشييع مهيب من محبيه من مدينة الرميثة وخارجها، وليسدل الستار على حياة ملؤها التضحيات والعطاء بلغت ثمانية وسبعون عاما.

فرحمك الله تعالى يا أبا طه وحشرك مع الصالحين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، وحشرك مع من أسديت وأعلنت لهم الخدمة والولاء محمد وآل محمد (عليهم السلام) ومع شهداء الطف وكوكبة شهداء وخدام المنبر الحسيني المقدس .. اللهم احشره في طليعة شيعة وليك الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.. فسلام عليك يا أبا طه يا شيخنا المكرم يوم ولدت ويوم خدمت وجاهدت ويوم وافاك الأجل عزيزا كريما ويوم تبعث حيا، والسلام على جميع خدام المنبر الحسيني من السابقين واللاحقين ورحمة الله وبركاته.
أسأل من الله أن تنال أعجابكم

و أنتظروا العدد القادم

مع قصة حياة رادود أخر

دمتم بود