السعداء في شهر رمضان المبارك
اللهم أسالك رضاك والجنة
السعداء فى شهر رمضان المبارك
..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السعداء هُم
مَن سعد بالصيام فأسعده الصيام وآنسَه وزكّاهوهداه ، كان صيامهم عوناً لهم على طاعة الله تعالى ،
فأكسبهم تقواه ومحبته وولايته ، حفِظوا اللهتعالى في صومهم ، فحفظهم الله
ـ سبحانه ـ ورعاه وأسبغَ عليهم نِعَمه .
كان صيامهم محض سعادتهم ونورهم وهدايتهم، شرفوا به غاية الشرف وبلغوا به سماء العز والمجد ،
إذ إن طاعة الله عزّ للعبد وكرامة ، ومعصيتهوذلُّ له ومهانة ، طَفحَ السرور عليهم بمقدم رمضان ،
والسعادة تغمر محيّاهم وكلامهم وفعالهم .
السعداء عرفوا قدر الصوم فجعلوه خصباً بفعلالصالحات ، ريّانَ بقراءة القرآن والصدقات ،
أدرك السُّعَداء أن الصوم عبودية للواحد القهار، فيها الطاعة والامتثال والضراعة والابتهالوالصبر ومحاسن الخلال.
السعداء إذا أدركَهم رمضان ازدادوا هِمّةًونشاطاً وقوةً وفلاحاً ونوراً وصلاحاً ،
عرفوا أن صيامهم إمّا لهم وإمّا عليهم ،فساسوه بميزان التقوى ، وصانوه من براثنالهوى ، وثبّتوه بأنوار الحق والهدى.
السُّعَداء في رمضان صائمون ذاكرون ، قائمونقانتون ، داعون ومجاهدون وعلى ربهميتوكلون ،
رمضان عندهم عيد وسرور ، وجنة وحبور، وذكر ونور ، يودّون لو طالت أيامه وبعدتلياليه ،
واستدامت نعمته وفرحته وبهجته .
رمضان عندهم ذكرٌ وصلاة وتلاوة ومناجاة ،
وجهاد ومواساة، تذكّروا نِعَم الله عليهم وما أتمبه وأكرم ، فسعوا في نفع غيرهم بالدعوةوالطعام والشراب والكساء .
﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد : 17] .
إذا انصرَمَت أيام رمضان بكي السعداء وتأسَفوالفقدان حبيبهم وروحهم وراحتهم
وما مرّ يومٌ أرتجى فيه راحةً
فأذكُرُه إلا بكيت علي أمسِ
يبكون لفراقه ويحنون لانقضائه.
يا أيها السعداء :
هنيئاً لكم حُسن الصيام وحُسن العبادة والقيام، ظفرتُم لعمري بالسعادة والسرور وحُزتُمالبركة والأجور ،
فيالها من فرحة تغمر النفس وتشرح الفؤادوتورث النورَ والضياء.
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌفَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
[النحل : 97] .
أما الأشقياء
فهم من شقي بالصيام ، وأشقاه الصيام وأضناهوأتعبَه ، كان الصيام عليهم إصراً وبلاءًومشقةً وضنكاً،
إن صاموا فليس لهم من صيامهم إلا الجوعوالعطش ، لا يذوقون فيه إلا الهم والضيقوالمرارة والحرمان.
كان صيامهم عليهم عمىً وردَىَ لا يجاوز حالهمولا يغير صفاتهم وأحوالهم،
إذ إنهم إن صاموا صاموا على كرهٍ ومضَضٍوضيق ونكد ، تعقبهم كآبة في المنظر وسوءفي المنقلب،
نهارهم قد ثقل بالنوم والكسل ، وليلهم أظلموهالك باللعب واللهو والسفَه،
ومن الأشقياء مَن لا يصوم بتاتاً فهؤلاء قدخسروا خُسراناً مبيناً ، وقد ضلّوا ضلالاً بعيداً .
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَاللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ﴾ [التوبة : 46] .
الأشقياء لا يراعون جلالة الشهر وهيبته، فتراهم سرعى هملاً وراء حسرتهم وندامتهم، يطلبون غيّهم وفسقهم وخناهم
ألم يعلموا بأن الله يرى ، مُحيط بهم لا تخفىعليه خافية ، وسيأتي بهم عبداً عبداً إذأحصاهم وعّدهُم عداً ،
وكلُّهم آتية يوم القيامة فرداً .
سبحان الله ! ألم يأتهم أنباء رمضان وبيّناته ؟!ألم يكن لهم
آيةً أنوار رمضان ودلائله ؟! ألم يروا فرحةالأمّة واغتباطها
بهذا الشهر؟! عجباً!! .
﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين : 14] .
كنا في حقبةٍ من الدّهر ، نشكو فئاماً لا يعرفوناللهَ إلا في رمضان،
فما بال جموعٍ غفيرة من الناس شقيت فيرمضان وغيره، ما حقّ مَن لم يكن له منالصيام إلا اسمه ؟!
لم يذُق نوره وحلاوته وروحانيّته . عياذاً باللهمن ذلك.
يا أيها الإخوان :
اسلُكوا درب السعداء في رمضان هم مَن عرفقدر رمضان ، فصامَه صوم المتقين العابدين القانتين ،
صاموه بنفوس صادقة وقلوب خاشعة وألْسنةذاكرة ، ليست بهاذية ولا لاغية،
كان صومهم ثُمال قلوبهم وحياة نفوسهم وجلاءأحزانهم وغمومهم.
يا أيها الصائمون :
تجنّبوا طريق الأشقياء في رمضان ، الذين نسواالله تعالى فأنساهم ذكره،
الذين كان صومهم عليهم ندامة وحسرة ، نعوذبالله من حالهم ومآلهم.
قومٌ جاءوا في رمضان بالخاطئة ، وكانتأيامهم من ذكر الله خالية،
شرِقوا بالصيام فأورثهم البؤس والحرمان، وأنزلَهم منازل الخيبة والخُسران،
يحسبون طول بقائهم عزاٍّ لهم ، وغِناهم سروراًلهم ، وأموالهم تمكيناً لهم،
كلاّ والله !! بل كل ذلك استدراج وبلاء ونكبة وغصّةولأواء ، ولكن متى يعلمون ؟
قال تعالى : ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾[المؤمنون : 55 - 56] .
،
لكرامتهم علينا ومعزّتهم عندنا ، كلا ليس الأمركذلك كما يزعمون في قولهم
﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ : 35] ،
لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم ، بل إنمانفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاءً ،
ولهذا قال :
﴿ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾
كما قال تعالى :﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الحَيَاةِالدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾
[التوبة : 55] ،
وقال تعالى : ﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً﴾ [آل عمران : 178] ،
وقال تعالى :﴿ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيثِسَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ]
أيها الإخوة:
ألم يأن لهؤلاء أن يعودوا إلى ربّهم ويُنيبوا إليه، وينقادوا لِحُكمه ويخشعوا لذكره وآياته .
في يوم القيامة يفرح السعداء الأخيار ، ويحزنالأشقياء الأشرار ، يُبَوَّاُ الصالحون منازل ذهباً ،
وينقلبُ الذين ظلموا منقلَباً صعباً أرداهم الهوىوغرّهم طول الأمل ، إذ تنكّروا للنُّذُر وأعرضواعن هدايات البشر .
﴿ أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ
النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴾ [فاطر : 37] .
أُنذِروا بالسّقم فلم ينزجروا ، ووُعِظوا بالشَّيب
فلم يتّعظوا وابتُلوا بالكروب فما أقلعُوا وأنابوا، والله المستعان ! .
تقبل الله عز وجل طاعتكم واعمالكم ودمتم بخير





رد مع اقتباس
