هنا

[إدريس]

اختفى ابي ..
من الصعب على اخوتي العمل في شوارع الموت ..
الأسلحة تُباع في (البسطيات) ببخس الثمن وهناك تصفية حسابات بين سكان المحافظة !
نحن مضطرون للأنتقال الى بعقوبة الان للعيش مع خالـتي .. وتوديع اخوتي وزوجة ابي فهـي أيضاً ستذهب الى عائلتها

[إدريس]

فقدتُ شيئاً يدعى طفولة .. لعب في الشوارع .. او على الأقل لعب مع اخوتي ..
كما حصل مع كل الاطفال الذين عاصروا ايام الحرمان .. ثم ايام الحرب ...

[إدريس]

زوج خالتي هو أبن عمها ..
هما لا يمتلكان اطفالاً .. ويحبوننا كأننا أطفالهم .. لكنهم منظمون الى درجة لا تطاق ..
كان جدو أحمد كما أدعوه ( زوج خالتـي) يقوم بمصادرة جميع الالعاب ويحتفظ بها في دُرج مليئ بالحاجيات الثمينه !
كان اخي الكبير يقول بأن ذلك الدرج يحتوي على اشياء عمرها يفوق العشرة سنين ..
لطالما كنتُ أتخيـل بأنني سأقوم بفتح ذلك الدرج في يوم من الايام واخذ كل مافيه ! على الأقل أشيائي ..

[إدريس]

يُرعبني صوت تلك الغاره ..
كُلما سمعته .. ارى امي تبكي وتقول ( الله يعلم شكد ناس بريئة ماتوا هسه )
.
.
(ماتوا) .. ؟؟
كلمة اسمعها كثيراً ... وكل من يقولها امامي كان يبكي !
لم اكن افهم معنى ان يموت الشخص .. كان الموت لدي يرتبط بالمغادرة .. فالميت غير موجود معنا .. وان ذلك يدعوا للحزن !
هل يا ترى ابي ممن قد ماتوا ؟

[إدريس]

انا الان في الصف الثاني
غداً هو موعد استلام النتائج ..
____
نحن نسكن في منزل أشبه بالقصر .. في الطابق الثاني يسكن معنا عمي الاصغر وزوجته ..
الساعة الان الثانية صباحاً ..
هناك عدة ارهابيون يهاجمون منزلنا .. ( ابي عاد الى مهنته في الشرطة ..واليوم هو ليس موجوداً )

[إدريس]

تم تدمير جميع زجاج المنزل .. هم الان في الحديقة .. وخلف المنزل
امي خبئتنا تحت السرير..
نحن نمسك ايدي بعضنا هنا .. ..
ونبكي بلا صوت .. ونردد خلفها ( سورة الفاتحة .. )
عمي في الاعلى يمسك سلاحاً ويطلق النار عليهم .. ويمنعهم من الدخول ...
الشرطة تقف بعيداً وتخشى الدخول الى المنطقة ..
فقد تبين ان اغلب المشاركين في هذا الهجوم هم من سكان منطقتنا ..
فقط لاننا من طائفة اخرى ..

[إدريس]

نجونا بأعجوبة .. السادس صباحاً نحن نحمل كل ما نستطيع ونهرب الى منزل جديد أشبه بالخرابة !

.
.
هناك ازمة اخرى يمر بها العراق .. ليس هناك قناني غاز .. عدنا الى العصر الحجري :)
وبدأنا نستخدم الحطب ...
تم خطف جميع اصدقاء ابي واحداً تلوّ الأخر .. وقتلهم بطرق وحشية
.. هروب جديد .. هذة المرة في منطقة مغلقة تدعى (شفته) مليئة بالجنود وعوائلهم !

[إدريس]

في هذة السنين ..
تم خطف عمي الصحفي وقتله .. والأخر (خبير متفجرات في الشرطة) تم وضع عبوة ناسفة في سيارته وقتله أيضاً .. واخرون تم قتلهم بطرق مختلفة
أصبحت ذاكرتي مليئة بالموتى .. انتهت العائلة الكبيرة ولم يعد هناك الا اشخاص قليلون ! ..

[إدريس]

شخصٌ مثليّ قد اعتاد على الموت ..
اعتاد ان يقسوّ وان لا يذرف دمعاً ..
هو وحده السرطان .. من جعلنـي أفقد ثباتي..

[إدريس]

خالتي .. اكثر انسانة بريئة مفعمه بالحيوية والتفائل .. أصيبت بمرض السرطان .. قاومت لمدة 3 سنوات ..
ثم فارقت الحياة في اول ايام عيد الأضحى ..
كانت المرة الاولى التي ارى عينيّ امي بلا ضوء ..
قالت لنا امي حينهـا .. أنها قد فقدت الحياة وانها قد كسرت وان هذا الجرح لن يطيب ابداً .. الا بموتها ..
وكانت تلك الكلمات تدمي قلبي ..
لا احد يعيّ ما هي امي بالنسبة لي ..
يشعر البعض بالغربة لانهم فارقوا اوطانهم .. انا اشعر بالغربة ان فارقت امي .. فهي موطني الاول .. والاخير