الفساد في العراق لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح جزءاً من بنية الدولة وواقعها الإداري والسياسي، ويحتاج إلى معالجة جذرية تتجاوز التشخيص النظري أو الحلول الشكلية. فمع وجود قوانين متعددة مثل قانون العقوبات وقانون هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، إلا أن تعدد الجهات وتداخل الصلاحيات أضعف القدرة على مواجهة الفساد وأفقد الردع قوته. أصبح الفساد في العراق مؤسسيّاً في كثير من الأحيان، مرتبطاً بالمحاصصة والتعيينات بالوكالة وتوزيع المناصب على أسس حزبية، مما يجعل النصوص القانونية القائمة غير كافية. ومع انتهاء معارك الإرهاب ونجاح الدولة في مواجهة التهديدات المسلحة عبر قوانين موحدة وتجربة أمنية–قضائية متماسكة، بات من الضروري أن تتحول ذات الإرادة والقوة نحو مواجهة الفساد، من خلال تشريع قانون موحد لمكافحة الفساد، وإنشاء هيئة وطنية مركزية ومحكمة متخصصة تمنح عملية التحقيق والرقابة مساراً واضحاً بعيداً عن التدخلات أو الحصانات أو البطء الإداري. إن إعلان الحرب على الفساد ليس رفاهية تشريعية بل ضرورة لحماية الدولة واستعادة ثقة المواطن، ويجب أن يكون واجب المجلس التشريعي القادم والحكومة المقبلة أن يجعل مواجهة الفساد أولوية قصوى، لأن حماية الدولة تبدأ من الداخل قبل أي حدود.