د. عبدالله يوسف الهاشمي

الرحالية: عطر الأرض وضياء النخوة

تقييم هذا المقال
بواسطة د. عبدالله يوسف الهاشمي, منذ 2 يوم عند 06:05 PM (256 المشاهدات)
"الرحالية: عطر الأرض وضياء النخوة"
في أقصى غرب الأنبار، حيث تسير الريح حاملة عبق الأرض وسكون التاريخ، تمتد ناحية الرحالية كأنها صفحة من كتابٍ عربيٍ قديم، تُكتب بالحرف النبيل، وتُروى بالحبر العشائري، وتُزيّن بالوجدان.

الرحالية ليست مجرد بقعة على الخارطة، بل هي روحُ مكانٍ يعرفُ أهلهُ كيف يُحسنون الضيافة حين يدخل الضيف، ويشدّون الوثاق حين تشتدّ الشدائد، ويقفون صفًا واحدًا حين تُهدد الأوطان أو تُلوّث العادات. فيها من البساطة ما يسرّ القلب، وفيها من الأصالة ما يُبقيها عصيّةً على التشويه أو التبديل.

منذ القدم، كانت هذه الناحية ملاذًا للهدوء، ومضربًا للمثل في التعاون، وهي رغم بعدها عن مركز المحافظة، لم تكن بعيدة يومًا عن قلب العراق. فالرجال فيها لا يُقاسون بعددهم بل بمواقفهم، والبيوت لا تُقاس بجدرانها، بل بعراقتها، وكرمها، ونخوتها حين يُنادى أهل الشهامة.

ولعلّ الرحالية قد مرّت، كغيرها من مدن الأنبار، بأعوام الشدّة، وعصور من التهميش والنسيان، لكنها لم تنكسر، بل كانت تصمد كما تصمد النخلة حين تهبّ الرياح، تميل، لكنها لا تنحني.

وعشائر الرحالية – وهي من صلب العراق – ما زالت تمثل نسيجًا متماسكًا، يجمعهم النسب، ويحكمهم العُرف، ويشدّ بعضهم بعضًا كأنهم بنيانٌ مرصوص. ومتى ما اجتمع رجالها على رأي، انقلب الأمر إلى عزمٍ لا يلين، ومتى ما اختلفوا، ردّتهم حكمتهم إلى كلمة سواء.

وما أجمل ما تفعله الرحالية اليوم، وهي تسعى لوثيقة شرف تجمع عشائرها على كلمةٍ واحدة، وموقفٍ واحد، وميثاقٍ يعيد للقبيلة دورها النبيل لا في الخصومة، بل في الوحدة، لا في الهيمنة، بل في العدل، لا في الزهو، بل في حماية ما تبقّى من نقاء اجتماعي أصيل.

وفي زمنٍ تتنازع فيه المواقف، وتتبعثر فيه الكلمات، تبقى الرحالية مثالًا لما ينبغي أن تكون عليه النواحي الأصيلة: صادقة، متماسكة، مترفّعة عن التوافه، متجذّرة في انتمائها، ناهضة بما فيها، لا بما يُفرض عليها.
الكلمات الدلالية (Tags): الرحالية. الانبار. العراق
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال